الملتقى الدعوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الملتقى الدعوي - الملتقى الفكري - اسلاميات
 
الرئيسيةالمواضيع الأخيرأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الراحة الكبرى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
abuanas
Admin



عدد المساهمات : 91
تاريخ التسجيل : 29/06/2010

الراحة الكبرى Empty
مُساهمةموضوع: الراحة الكبرى   الراحة الكبرى I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 13, 2010 11:45 pm

الحمد للَّه الواحد القهَّار، العزيز الغفَّار، مقدِّر الأقدار، مصرِّف الأمور، مُكوِّر الليل على النهار، تبصرةَ لأُولي القلوب والأبصار، الذي أيقظ من خلقه ومن اصطفاه فأدخله في جملة الأخيار، ووفَّق من اجتباه من عبيده فجعلَه من المقرَّبين الأبرار، وبصَّرَ من أحبَّه فزهَّدهم في هذه الدار، فاجتهدوا في مرضاته والتأهُّب لدار القرار، وأشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه العظيم، الواحد الصمد العزيز الحكيم، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله، وصفيُّه وحبيبه وخليله، أفضلُ المخلوقين، وأكرمُ السابقين واللاحقين، صلواتُ اللّه وسلامه عليه وعلى سائر النبيين، وآل كلٍّ وسائر الصالحين.

وبعد..؛
فإن الإنسان يعيش في هذه الدنيا، ويطلب فيها الراحة التامة والسعادة الكاملة، ولكن هيهات هيهات، فهو ينسى أن هذه الحياة الدنيا ليست بدار خلود وبقاء، وإنما هي دار رحيل وفناء، قال - تعالى -: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)) سورة يونس.
وقال: ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)) سورة الكهف.
وقال: ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)) سورة غافر.
لذا فقد وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم – بأنها: سجن للمؤمن وجنة للكافر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِر)) أخرجه أحمد 2/323(8272) و"مسلم" 8/210 و"التِّرمِذي" 1324.
والمسلم العاقل هو من يفهم الدنيا على حقيقتها، فيتخذها معبراً ومزرعة للآخرة، عن ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِبَعْضِ جَسَدِي، فَقَالَ: (( يَا عَبْدَ اللَّهِ كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ كَأَنَّكَ عَابِرُ سَبِيلٍ وَعُدَّ نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ))، فَقَالَ لي ابْنُ عُمَرَ: إِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ، وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ، فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ غَدًا. أَخْرَجَهُ أحمد 2/24(4764) و"البُخَاريّ" 8/110(6416).
فلا يجعلها همه، ولا يجعل سعيه كله من أجل تحصيل المتع والملذات فيها، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهَ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ)) أخرجه التِّرْمِذِي (2465) الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 689.
قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه -: " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! صِفْ لَنَا الدُّنْيَا، قَالَ: وَمَا أَصِفُ لَكَ مِنْ دَارٍ مَنْ صَحَّ فِيهَا أَمِنْ، وَمَنْ سَقَمَ فِيهَا نَدِمَ، وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ، وَمَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ، حَلَالُهَا حِسَابٌ، وَحَرَامُهَا عَذَابٌ؟!". ابن عبد البر: المجالسة وجواهر العلم 2/371.
يقول الشاعر:
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها *** يمسى ويصبح مغروراً وغرارا
هلا تركت من الدنيا معانقة *** حتى تعانق في الفردوس إبكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها *** فينبغي لك أن لا تأمن النارا
قال أحد الصالحين: " أيها الناس ألا إنما الدنيا ساعة فاجعلوها طاعة، إن النفس طماعة فعودوها القناعة، إن الدنيا إذا حلت أوحلت، وإذا كست أوكست، وإذا أينعت نعت، وإذا جلت أوجلت، وكم من فتىً مدت له رباعها، فلما مدت له بَاَعَها باعها، وكم من ملك رفعت له علامات، فلما علا مات، ولا يبقى غير وجه ربك ذو الجلال والإكرام".
وقال أبو الحسن التِّهاميّ من قصيدةٍ:
حكم المنية في البرية جارِ *** ما هذه الدنيا بدار قرارِ
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا *** حتى يُرى خبراً من الأخبار
طُبعتْ على كدر وأنت تريدها *** صفواً من الأقذار والأكدار
ومُكلّفُ الأيام ضد طباعها *** مُتطلبٌ في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما *** تبني الرجاء على شفيرٍ هار
قال الفاروق - رضي الله عنه -: " طلب الراحة للرجال غفلة " وقيل لابن الجوزي: هل يسوغ لي أن ألهو وأرفه عن نفسي بشيءٍ من المباحات؟ قال: عند نفسك من الواجبات ما يشغلها.
قيل لأبي موسى الأشعري - وهو من الصحابة رضوان الله عليهم - وقد كان يكثر من العبادة حتى أصبح - كما قالوا - كعود الخِلال يعني من شدة نحوله، فقيل له: لو أجممت نفسك! فقال: هيهات! إنما يسبق الخيل المضمرة، يعني النحيفة هي التي تسبق خفيفة يمكن أن تنطلق إلى مرضاة الله - سبحانه وتعالى -.
فإذا كانت الدنيا كذلك، فليعلم العاقل أنها دار كبد وتعب، وأن الكبد طبيعة الحياة الدنيا، تختلف أشكاله وأسبابه، ولكنه هو الكبد في النهاية، فأخسر الخاسرين هو: من يعاني كبد الحياة الدنيا؛ لينتهي إلى الكبد الأشق الأمرّ في الأخرى، وأفلح الفالحين من يكدح في الطريق إلى ربه ليلقاه بمؤهلات تنهي عنه كبد الحياة، وتنتهي به إلى الراحة الكبرى في ظلال الله. الظلال 8/40.
قال القشيري: " فمن أُجِير من النار وصل إلى الراحة الكبرى، ومن صُلِّيَ بالسعير وقع في المحنة الكبرى. تفسير القشيري 1/431.
أما من آثر الراحة وأخلد إلى الأرض فقلَّ أن يفوز بمقصوده:
ومن أراد العُلا عفوًا بلا تعب *** قضى ولم يقض من إدراكها وَطَرًا
لا يبلغ السؤل إلا بعد مؤلمة *** ولا تتم المنى إلا لمن صبرا
يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: " وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنَّ بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همَّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة، والله المستعان، ولا قوة إلا بالله.
وكلما كانت النفوس أشرف والهمة أعلى، كان تعب البدن أوفر، وحظه من الراحة أقل، كما قال المتنبي:
وإذا النفوسُ كُنَّ كبارًا *** تعبت في مرادها الأجسام
وقال ابن الرومي:
قلب يظل على أفكاره ويَدٌ *** تُمْضِي الأمورَ ونفسٌ لهوها التعَبُ
قال ابن المبارك: اطلب خمسة في خمسة، الأول: اطلب العز في التواضع لا في المال والعشيرة، والثاني: اطلب الغنى في القناعة لا في الكثرة، والثالث: اطلب الأمن في الجنة لا في الدنيا، والرابع: اطلب الراحة في القلة لا في الكثرة، والخامس: اطلب منفعة العلم في العمل لا في كثرة الرواية. تفسير الرازي 1/461.
والله - تعالى- إذا أحب عبداً حماه من الدنيا، عنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( إِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا، كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ)) أخرجه أحمد 5/427(24021)، التِّرْمِذِي (2036).
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: (( إِنَّ مُوسَى قَالَ: أَيْ رَبِّ عَبْدُكَ الْمُؤْمِنُ تُقَتِّرُ عَلَيْهِ في الدُّنْيَا، قَالَ: فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا، قَالَ: يَا مُوسَى هَذَا مَا أَعْدَدْتُ لَهُ، فَقَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ وَجَلاَلِكَ لَوْ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ يُسْحَبُ عَلَى وَجْهِهِ مُنْذُ يَوْمَ خَلَقْتَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَانَ هَذَا مَصِيرُهُ لَمْ يَرْ بُؤْسًا قَطُّ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ عَبْدُكُ الْكَافِرُ تُوَسِّعُ عَلَيْهِ في الدُّنْيَا، قَالَ: فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنَ النَّارِ، فَيُقَالُ: يَا مُوسَى هَذَا مَا أَعْدَدْتُ لَهُ، فَقَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ وَعِزَّتِكَ وَجَلاَلِكَ لَوْ كَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمَ خَلَقْتَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكَانَ هَذَا مَصِيرُهُ كَانَ لَمْ يَرْ خَيْرًا قَطُّ)) أخرجه أحمد 3/81(11789).
قال الشاعر:
ليسَ أمرُ المرءِ سهلاً كله*** إِنَّما الأمرُ سهولٌ وحزونْ
ربما قرَّتْ عيونٌ بشجى*** مُرْمضٍ قد سخنتْ عنه عيونْ
تطلبُ الراحةَ في دارِ العنا*** خابَ من يطلبُ شيئاً لا يكونْ
وقال إبراهيم بن بشار قال: خرجت أنا وإبراهيم بن أدهم، وأبو يوسف الغسولي، وأبو عبد الله السنجاري نريد الإسكندرية، فمررنا بنهر يقال له نهر الأردن، فقعدنا نستريح، وكان مع أبي يوسف كسيرات يابسات، فألقاها بين أيدينا، فأكلناها وحمدنا الله - تعالى -، فقمت أسعى أتناول ماء لإبراهيم، فبادر إبراهيم، فدخل النهر حتى بلغ الماء إلى ركبته، فقال بكفيه في الماء فملأها، ثم قال: (بسم الله) وشرب الماء، ثم قال: (الحمد لله)، ثم ملأ كفيه من الماء وقال: (بسم الله) وشرب، ثم قال: (الحمد لله)، ثم إنه خرج من النهر فمد رجليه، ثم قال: يا أبا يوسف، لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا بالسيوف، أيام الحياة على ما نحن فيه من لذيذ العيش وقلة التعب، فقلت: يا أبا إسحاق، طلب القوم الراحة والنعيم، فأخطأوا الطريق المستقيم، فتبسم، ثم قال: من أين لك هذا الكلام؟ !. المنتخب من كتاب الزهد والرقائق، للخطيب البغدادي 1/110 وما بعدها.
قال - تعالى -: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (97) سورة النحل.
قِيلَ لِلرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ: لَوْ أَرَحْتَ نَفْسَكَ؟ قَالَ: رَاحَتَهَا أُرِيدُ. الفوائد لابن القيم 42.
وقيل لروح بن حاتم: طال وقوفك في الشمس! فقال: ليطول وقوفي في الظل.
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاَءِ الثَّوَابَ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بالْمَقَارِيضِ)) أخرجه التِّرْمِذِي (2402).
فالمؤمن إذاً بحث عن الراحة التامة، والسعادة الكاملة في الدنيا، فلن يجدها؛ لأنه لن يجد راحته التامة وسعادته الكاملة إلا في ظل الله تباركت أسماؤه.
1-الراحة الكبرى للمؤمن عند الموت.
وذلك يموت على التوحيد والإيمان، ويثبته الله عند الموت، مصداقاً لقوله - سبحانه -: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) (27) سورة إبراهيم.
وهذا ما عاينه الصحابة الكرام في وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعَنْ أبي عمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ، أن عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إنَّ مِنْ نِعَمِ الله عَلَيَّ أن رَسُولَ اللهِّ - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّيَ فِي بَيْتِي، وَفِي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وَانَّ الله جَمَعَ بَيْنَ رِيقي وَرِيقِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَل عَلَيَّ عبد الرحمان وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وأنا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ اللهِّ - صلى الله عليه وسلم - فَرَايْتُهُ يَنْظُرُ إليه، وَعَرَفْتُ انهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آحذُهُ لَكَ؟ فأشار برأسه أن نَعَمْ، فَتَنَاوَلْتُهُ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: ألينه لَكَ؟ فأشار برأسه أن نَعَمْ فَلَيَّنْتُهُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَة- أو عُلْبَةٌ - (يشكُّ عُمر) فِيهَا مَاء فَجَعَلَ يدخل يَدَيْهِ فِي الَماءِ فَيَمْسَح بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ: لا الَهَ إلا الله أن لِلْمَوْتِ سكََرَاتٍ، ثُمَّ نصًبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: فِي الرفِيق الأعلى حَتَّى قبضَ وَمَالَتْ يَدُهُ. أخرجه البخاري 6/15 و8/133.
وعنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ كَرْبِ الْمَوْتِ مَا وَجَدَ، قَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاكَرْبَ أَبَتَاهْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( لاَ كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ، إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ أَبِيكِ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا، الْمُوَافَاةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) أخرجه أحمد 3/141(12461) و"ابن ماجة" 1629 والتِّرْمِذِيّ"، في (الشَّمائل) 397.
أراد - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لها: أن زمن الكرب والهم والتعب قد انتهى، وبدأت الراحة العظمى والسعادة التامة.
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: (( عَبْدٌ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَبَكَى، فَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ الْمُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ)) أخرجه أحمد 3/18(11153) و"البُخَارِي" 5/73(3904) و"مسلم" 7/108(6245).
قال الشاعر:
إن هذا الموت يكرهه *** كل من يمشي على الغبرا
وبعين العقل لو نظروا *** لرأوه الراحة الكبرى
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ، فَقَالَ: (( مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلاَدُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ)) أخرجه "أحمد" 5/296 (22903) و"البُخاري" 8/133 (6512) و"مسلم" 3/54 (2160).
والمؤمن إذا أراد الله - تعالى -أن يقبضه على خير يجد به السعادة والراحة، وفقه لعمل من أعمال الخير والبر، ثم قبضه عليه، فعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (( إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ، قِيلَ: وَمَا اسْتَعْمَلُهُ؟ قَالَ: يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ، حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ)) أخرجه أحمد 5/224(22295)، السلسلة الصحيحة " 3 / 107.
قَالَ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ: رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فِي الْمَنَامِ بَعْدَمَا مَاتَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! كَيْفَ حَالُكَ؟ قَالَ: خَيْرُ حَالٍ، اسْتَرَحْتُ مِنْ غُمُومِ الدُّنْيَا، وَأَفْضَيْتُ إِلَى رَحْمَةِ اللهِ - عز وجل -. ابن عبد البر: المجالسة وجواهر العلم 1/454.
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ لِأَبِي حَازِمٍ: مَا لَنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ؟ قَالَ: لِأَنَّكُمْ عَمَّرْتُمُ الدُّنْيَا وَخَرَّبْتُمُ الْآخِرَةَ؛ فَإِنَّكُمْ تَكْرَهُونَ أَنْ تُنْقَلُوا مِنَ الْعُمْرَانِ إِلَى الْخَرَابِ. ابن عبد البر: المجالسة وجواهر العلم 2/138.
2- الراحة الكبرى للمؤمن حينما يرى مقعده في الجنة.
ثم الراحة الثانية للمؤمن حينما يدخل قبره ويرى مقعده في الجنة يعرض عليه غدواً وعشياً، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) أخرجه مالك "الموطأ" 641 و"أحمد" 2/16(4658) و"البُخَارِي" 2/124(1379) و"مسلم" 8/160(7313)والتِّرْمِذِيّ" 1072.
فالقبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار.
3-الراحة الكبرى للمؤمن حينما يأخذ كتابه بيمينه.
ثم الراحة الثالثة: حينما يخرج من قبره للحساب والعرض فيأخذ كتابه بيمينه، قال - سبحانه -: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)) سورة الحاقة.
وقال: ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (Cool وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)) سورة الانشقاق.
4-الراحة للكبرى للمؤمن حينما يمر من على الصراط.
والراحة الرابعة: يوم أن يجازى بالمرور على الصراط كالبرق الخاطف، قال - تعالى -: ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)) سورة مريم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( يَجْمَعُ اللَّهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، النَّاسَ، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ، حَتَّى تُزْلَفَ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ، لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى ابْنِي، إِبْرَاهِيمَ، خَلِيلِ اللهِ، قَالَ: فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلاً مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ، اعْمِدُوا إِلَى مُوسَى - صلى الله عليه وسلم -، الَّذِي كَلَّمَهُ اللَّهُ تَكْلِيمًا، فَيَأْتُونَ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى، كَلِمَةِ اللهِ وَرُوحِهِ، فَيَقُولُ عِيسَى - صلى الله عليه وسلم -: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُومُ فَيُؤْذَنُ لَهُ، وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالاً، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ، قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ، يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ. سَلِّمْ. حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجيءَ الرَّجُلُ، فَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفًا، قَالَ: وَفِى حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلاَلِيبُ مُعَلَّقَةٌ، مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ، وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ، إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا)) أخرجه مُسْلم 1/129(401 و402).
وفي الأثر: (( وعزتي وجلالي لا تنصرفون اليوم ولأحد عند أحد مظلمة، وعزتي وجلالي لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم)) الكبائر للذهبي 104.
قال الشاعر:
لا تظلمنَ إذا ما كنتَ مقتدرا *** فالظلمُ آخره يفضي إلى الندمِ
تنامُ عينُكَ والمظلوم ُمنتبهاً *** يدعُ عليك وعينُ اللهِ لم تنمِ
5-الراحة الكبرى للمؤمن حينما يدخل الجنة.
ثم الراحة العظمى والكبرى، والنعيم المقيم الخالد حينما يدخل الجنة، فيرى نعيمها، ويحمد ربه على نعمة الراحة والأمن، قال - تعالى -: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)) سورة الحجر.
وقال: ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)) سورة فاطر.
وقال: ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)) سورة هود.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنَ الْكُفَّارِ، فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ فِي النَّارِ غَمْسَةً، فَيُغْمَسُ فِيهَا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: أَيْ فُلاَنُ، هَلْ أَصَابَكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ، مَا أَصَابَنِي نَعِيمٌ قَطُّ، وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ الْمُؤْمِنِينَ ضُرًّا وَبَلاَءً، فَيُقَالُ: اغْمِسُوهُ غَمْسَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةً، فَيُقَالُ لَهُ: أَيْ فُلاَنُ، هَلْ أَصَابَكَ ضُرٌّ قَطُّ؟ أَوْ بَلاَءٌ؟ فَيَقُولُ: مَا أَصَابَنِي قَطُّ ضُرٌّ وَلاَ بَلاَءٌ)) أخرجه ابن ماجة (4321) الألباني: الصحيحة (1167).
قال محمد بن حسنويه: حضرت أبا عبد الله أحمد بن حنبل، وجاءه رجل من أهل خراسان فقال: يا أبا عبد الله قصدتك من خراسان أسألك عن مسألة قال: له سل، قال: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة. أبو يعلي الفراء: طبقات الحنابلة 1/291.
قال أبو بكر بن طاهر: اصبر على شدائد الدنيا فإن وعد الله حق لمن صبر فيها على الشدائد أن يوصله إلى الراحة الكبرى وهو مقعد صدق عند مليك مقتدر. حقائق التفسير، للسلمي 7/142.
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ لأَصْحَابِهِ: (( أَلاَ هَلْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا هِيَ، وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مُشَيَّدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دَارٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ، قَالُوا: نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ)) صحيح ابن حبان - (ج 16 / ص 389)(7381) حسن.
فالفوز الفوز لمن دخلها، والويل الويل لمن زحزح عنها، قال - تعالى -: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ) (185) سورة آل عمران.
قال أبو تمام:
بَصُرْتَ بالراحةِ الكُبرى فلم تَرَها *** تُنالُ إلا عَلَى جِسْرٍ من التّعَبِ
وقال آخر:
أُعِدَّتِ الراحَةُ الكُبرى لِمَن تَعِبا *** وَفازَ بِالحَقِِّ مَن يَألُهُ طَلَبا
إِذا طَلَبتَ عَظيمًا فَاصبِرَنَّ لَهُ *** أَو فَاحشُدَنَّ رِماحَ الخَطِِّ وَالقُضُبا
وَلا تُعِدَّ صَغيراتِ الأُمورِ لَهُ *** إِنَّ الصَغائِرَ لَيسَت لِلعُلا أُهُبا
لا تَعدَمُ الهِمَّةُ الكُبرى جَوائِزَها *** سِيَّانِ مَن غَلَبَ الأَيَّامَ أَو غُلِبا
وَكُلُّ سَعيٍ سَيَجزي اللهُ ساعِيَهُ *** هَيهاتَ يَذهَبُ سَعيَ المُحسِنينَ هَبا
ثم الأنس الكامل، والنعيم التام حينما يرى وجه ربه - جل وعلا -، قال - تعالى -: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)) سورة القيامة.
عنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: (( إِنَّ اللهَ يَقُولُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ في يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبِّ، وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَلاَ أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا)) أخرجه أحمد 3/88(11857) و"البُخَارِي" 8/142(6549) و"مسلم" 8/144(7242).
عن صهيب الرومي - رضي الله عنه -: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( إذا دخل أهلُ الجنّةِ الجنة، يقول- تبارك وتعالى -: تريدون شيئا أزيدُكم؟ فيقولون: ألم تُبَيِّضْ وجوهَنا؟ ألم تُدخلْنا الجنةَ وتنجِّنا من النار؟ قال: فيكشف الحجابَ، فما أُعْطوا شيئا أحبَّ إليهم من النظر إلى ربِّهم تبارك وتعالى))، زاد في رواية: ثم تلا هذه الآية: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) [يونس:26] أخرجه أحمد (4/332) ومسلم (1/112) والترمذي (2552 و 3105).
اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وفرج كروبنا، واكشف همومنا، اللهم فك أسرنا، اللهم تول أمرنا، اللهم أحسن خلاصنا، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا.
بدر عبدالحميد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://multaqa.forum.st
 
الراحة الكبرى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الملتقى الدعوي :: المنتديات العامة :: الــــحــــــــــــوار الإســــــــــلامي-
انتقل الى: