أبوأنس
عدد المساهمات : 306 تاريخ التسجيل : 14/07/2010
| موضوع: التفاؤل والتشاؤم في ميزان الإسلام الأربعاء يوليو 14, 2010 12:24 pm | |
| الإسلام دينً عظيم بنى عقيدته على أساس العقل السليم، والمنطق القويم في دراسة الأمور، والبعد عن التردد الذي هو أول درجات الفشل، وقبل ذلك كله وبعده لابد من تفوض الأمر لله رب العالمين، فالمسلم العاقل هو من يأخذ بأسباب الأمور، ثم يترك نتائجها إلى الله تعالى الذي له الأمر من قبل ومن بعد. ومن هنا فقد ربى الإسلام أتباعه علي التفاؤل والأمل والبعد عن التطير والتشاؤم، ولقد ذم القرآن الكريم هؤلاء المتطيرين بدعاوى الأنبياء فقال - سبحانه -: ( قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) ) سورة يس. كما نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الطيرة، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((لاَ طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ، قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ)) أخرجه "أحمد" 2/266(7607) و"البُخاري" 7/174(5754) و"مسلم" 5853. ولقد كانت العرب قديماً إذا أردت سفراً نفرت أول طائر تلقاه، فإن طار يمنة سارت وتفاءلت، وإن طار يسرة رجعت وتشاءمت، حكى عكرمة قال: كنا جلوساُ عند ابن عباس - رضي الله عنهما - فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم خير، فقال ابن عباس: لا خير ولا شر، وأنشد قول الشاعر لبيد: لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى *** ولا زاجرات الطير ما الله صانع فهذا المسلك الشائن من العرب قديماً قد نبذه الإسلام الحكيم، وشدد عليه، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْداللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، وَمَا مِنَّا إِلاَّ، وَلَكِنِ اللَّهُ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ)) أخرجه أحمد(1/389(3687) والبُخاري في الأدب المفرد(909). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: (( مَنْ أَتَى كَاهِنًا، أَوْ عَرَّافًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ)) أخرجه أحمد 2/429(9532). وفي حديث مسلم الذي رواه ابن عباس - رضي الله عنهما -، في صفات الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ لا يَرْقُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)) أخرجه مسلم (7 / 18 - 19) و أحمد (3 / 382). ومن هنا فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبث في نفوس صحابته -رضوان الله عليهم- روح التفاؤل والجد والإقدام حتى في أحرج الظروف وأشدها وأقساها، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَهُْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ، فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو لَنَا، فَقَالَ: (( قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللهِ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ)) أخرجه "أحمد" 5/109(21371) و"البُخَارِي" 4/244(3612) و"النَّسائي" 8/204. وفي الغار والأخطار محدقة به - صلى الله عليه وسلم - هو وصاحبه أبي بكر الصديق، فيقول أبو بكر لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، قَالَ: (( يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا، يَا أَبَا بَكْرٍ! لا تَحْزَنْ إِنَّ الله معنا)). وفي صلح الحديبية وبعد قبوله - صلى الله عليه وسلم - بشروط الصلح المجحفة واعتراض بعض الصحابة عليها، حتى قال عمر - رضي الله عنه -: نعطي الدنية عَنْ أَبِى وَائِلٍ، قَالَ: قَامَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، يَوْمَ صِفِّينَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ لَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَوْ نَرَى قِتَالاً لَقَاتَلْنَا وَذَلِكَ فِي الصُّلْحِ الذي كَانَ بَيْنَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ، فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَتَى رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: ((يَا رَسُولَ الله أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلاَنَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ في النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَفِيمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إني رَسُولُ الله وَلَنْ يضيعني الله أَبَدًا، قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ فَلَمْ يَصْبِرْ مُتَغَيِّظًا، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْنَا عَلَى حَقٍّ وَهُمْ عَلَى بَاطِلٍ؟، قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلاَنَا في الْجَنَّةِ وَقَتْلاَهُمْ في النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلاَمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا وَنَرْجِعُ وَلَمَّا يَحْكُمِ الله بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّهُ رَسُولُ الله وَلَنْ يُضَيِّعَهُ الله أَبَدًا، قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِالْفَتْحِ فَأَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَأَقْرَأَهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَو َفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجَعَ)) أخرجه أحمد 3/485(16071) و"البُخَارِي" 4/125(3182) و"مسلم" 5/175(4656) و"النَّسَائي" في "الكبرى" 1440، سيرة ابن هشام 4/284. وفي غزوة الخندق حينما اعترضت صخرة عظيمة طريق المسلمين، أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعول وضرب به ثلاث ضربات، وفتح باب الأمل للصحابة في انتصار الإسلام، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحُدّثْت عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ، أَنّهُ قَالَ ضَرَبْت فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْخَنْدَقِ، فَغَلُظَتْ عَلَيّ صَخْرَةٌ وَرَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرِيبٌ مِنّي، فَلَمّا رَآنِي أَضْرِبُ وَرَأَى شِدّةَ الْمَكَانِ عَلَيّ نَزَلَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ مِنْ يَدِي، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً لَمَعَتْ تَحْتَ الْمِعْوَلِ بُرْقَةٌ، قَالَ: ثُمّ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً أُخْرَى، فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى؛ قَالَ: ثُمّ ضَرَبَ بِهِ الثّالِثَةَ فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى، قَالَ قُلْت: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ مَا هَذَا الّذِي رَأَيْت لَمَعَ تَحْتَ الْمِعْوَلِ وَأَنْتَ تَضْرِبُ؟ قَالَ: ((أَوَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ؟ قَالَ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: أَمّا الْأُولَى فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الْيَمَنَ، وَأَمّا الثّانِيَةُ فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الشّامَ وَالْمَغْرِبَ، وَأَمّا الثّالِثَةُ فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الْمَشْرِقَ)) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ حِينَ فُتِحَتْ هَذِهِ الْأَمْصَارُ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَزَمَانِ عُثْمَانَ وَمَا بَعْدَهُ افْتَتِحُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَو َاَلّذِي نَفْسِي أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ مَا افْتَتَحْتُمْ مِنْ مَدِينَةٍ وَلَا تَفْتَتِحُونَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلّا وَقَدْ أَعْطَى اللّهُ - سبحانه - مُحَمّدًا - صلى الله عليه وسلم - مَفَاتِيحَهَا قَبْلَ ذَلِكَ. سيرة ابن هشام 2/219. وعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: (( لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلاَ يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلاَ وَبَرٍ، إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلاَمَ، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ)) أخرجه أحمد 4/103(17082) "السلسلة الصحيحة" 1/7. وعَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( إِنَّ اللهَ زوي لِيَ الأَرْضَ، فَرَأَيْت مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، فَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ: الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ)) أخرجه أحمد 5/278(22752) و"مسلم" 8/171 و"أبو داود" 4252. فهو - صلى الله عليه وسلم - من تلك المواقف كلها يريد أن يبعد عن نفوس أصحابه، بل عن نفوس المسلمين جميعهم روح التشاؤم والاستسلام والخنوع، واستبدال تلك الروح بروح المتفائل الواثق بنصر الله - تعالى -. ولقد سلك الإسلام كل سبيل، ففي غرس هذه الروح في المجتمع المسلم، فأمرنا - صلى الله عليه وسلم - بأن نلقى إخواننا بوجه طلق حتى نشيع في المجتمع روح التفاؤل والأمل، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ في إِنَاءِ أَخِيكَ)) أخرجه أحمد 3/344(14766) و"البُخَارِي"، في (الأدب المفرد) 304 والتِّرْمِذِيّ" 1970. كما أمرنا بإفشاء السلام بيننا حتى تسود المحبة والألفة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ)) أخرجه "أحمد" 2/391(9073) و"مسلم" 104 و"ابن حِبَّان" 236. وأمرنا كذلك بمجالسة الجليس الصالح الذي يشبه حامل المسك حتى نتلمس من مصاحبته روح الصلاح والخير. كما أمرنا أيضاً بتحسن أسمائنا وأسماء أبنائنا؛ لأن في تحسينها مدعاة للتفاؤل والاستبشار، عن بريدة - رضي الله عنها - قال: ولما شارف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة لقيه أبو عبد الله بريدة بن الحصيب الأسلمي في سبعين من قومه من بني سهم، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أنت؟ قال: بريدة، فقال لأبي بكر: برد أمرنا وصلح، ثم قال: ممن؟ قال: من أسلم، فقال لأبي بكر: سلمنا، ثم قال: من بني من؟ قال: من بني سهم، قال: خرج سهمك يا أبا بكر، فقال بريدة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: من أنت؟ قال: أنا محمد بن عبد الله رسول الله فقال بريدة: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فأسلم بريدة وأسلم من كان معه جميعاً، قال بريدة: الحمد لله الذي أسلم بنو سهم طائعين غير مكرهين، فلما أصبح قال بريدة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله لا تدخل المدينة إلا ومعك لواء، فحل عمامته ثم شدها في رمح ثم مشى بين يديه حتى دخلوا المدينة)). أخرجه البيهقي في الدلائل 2 / 221. وفي حديث الأنصاري الذي لزم المسجد متطيراً من كثرة همومه وديونه، أرشده النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى استبدال الرسائل السلبية في حياته برسائل ايجابية، وأن عليه أن يترك اليأس والتشاؤم ويحسن التوكل على الله - تعالى -، عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو أُمَامَةَ فَقَالَ: (( يَا أَبَا أُمَامَةَ مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاَةِ، قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِى، وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: أَفَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلاَمًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ - عز وجل - هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: قُلْ: إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ - عز وجل - هَمِّي وَقَضَى عَنِّى دَيْنِي)). أخرجه أبو داود (1555). وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ الْقُرَشِيِّ، قَالَ: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: (( أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ، وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ)) أخرجه أبو داود 3919. كما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إشاعة روح التشاؤم في المجتمع بسب الدهر أو الإدعاء بأن الناس قد هلكوا وأن الخير قد انتهى من الناس، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ)) أخرجه أحمد 5/299 (22919). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (( لاَ تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ، قَالَ اللهُ - تعالى -: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الْخَيْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)). أخرجه "أحمد" 2/238(7244) و"البُخاري" 4826 و"مسلم" 5925. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( إِذَا سَمِعْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ)) - وفي رواية: (( إِذَا سَمِعَْتُمْ رَجُلاً يَقُولُ: قَدْ هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ، يَقُولُ اللهُ: إِنَّهُ هُوَ هَالِكٌ)) - وفي رواية: (( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ)) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لاَ أَدْرِى أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ، أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ. أخرجه "أحمد" 2/272(7671) و"البُخاري" في "الأدب المفرد" 759 و"مسلم" 6776. ولله در من قال: نعيبُ زماننا والعيبُ فينا *** وما لزمانِنا عيبٌ سوانا ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ *** ولو نطقَ الزمانُ لنا هجانا وليس الذئبُ يأكل لحمَ ذئبٍ *** ويأكلُ بعضُنا بعضًا عيانا وفي نهاية المطاف علينا أن نعلم أن التفاؤل والتشاؤم ينبعان من داخل النفس، فصاحب النفس الصحيحة ينظر إلى الحياة بمنظار مستقيم جليّ، فلا يرى فيها إلا كل جميل باعث على الأمل، وأما صاحب النفس السقيمة فإنه ينظر إلى الحياة بمنظار أسود كئيب، فلا يرى منها إلا كل سيء باعث على القنوط والتشاؤم واليأس، قال الشاعر في ذلك: أَيُّهَذَا الشَّاكِي! وَمَا بِكَ دَاءٌ *** كَيْفَ تَغْدُو إِذَا غَدَوْتَ عَلِيلا! إِنَّ شَرَّ الْجُنَاةِ فِي الْأَرْضِ نَفْسٌ *** تَتَوَخَّى قَبْلَ الرَّحِيلِ الرَّحِيلا وَتَرَى الشَّوْكَ فِي الْوُرُودِ وَتَعْمَى أ*** نْ تَرَى فَوْقَهَا النَّدَى إِكْلِيلا وَالّذِي نَفْسُهُ بِغَيْرِ جَمَالٍ لَا*** يَرَى فِي الْحَيَاةِ شَيْئاً جَمِيلا وعلينا في النهاية أن نضع نصب أعيننا، وأن يكون شعارنا قول الله - عز وجل -: ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (216) سورة البقرة.بدر عبدالحميد
| |
|