إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريط له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ([1]).
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ([2]).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ([3]).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار ([4]).
أما بعد:
فمرحباً مرحباً بأحبتي في الله: نضر الله هذه الوجوه التي طال شوقنا إليها وزكى الله هذه الأنفس التي انصهرنا معها في بوتقة الحب في الله.
وشرح الله هذه الصدور التي جمعنا وإياها كتاب الله.
وإنه لمن فضل الله - تعالى - أن نلتقي بحضراتكم أول ما نلتقي بعد طول غيبة في هذه المناسبة السعيدة الكريمة المباركة.
وصدق الله إذ يقول: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ([5]).
وحتى لا أطيل عليكم فسوف أركز الحديث في عدة عناصر:
أولاً: ليلة هانئة وعيشة راضية.
ثانياً: وصية أم لابنتها عند الزواج.
ثالثاً: وصيتي للشباب والأزواج.
رابعاً: نداء للآباء والأمهات.
فأعيروني القلوب والأسماع وتعالوا بنا لنبدأ بالليلة الهانئة.
أولاً: ليلة هانئة وعيشة راضية
حدثنا التاريخ أن شريحاً القاضي قابل الشعبى.
وأظنكم تعرفون شريحاً إنه شريح بن شراحيل أو شرحبيل الذي ولاه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قضاء الكوفة فأقام عليه ستين سنة وضرب المثل بعدله وصدقه ومن أراد أن يرجع إلى ترجمته فليرجع إلى كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي في المجلد الرابع.
أما الشعبى فهو التابعي الجليل علامة عصره وزمانه ولد سنة ثمان وعشرين من الهجرة وقال في حقه سعيد بن زيد عن مكحول قال: ما رأيت أحداً أعلم من الشعبى.
له ترجمة طويلة في سير أعلام النبلاء فليرجع إليها من أراد في المجلد الرابع أيضاً.
أيها الأحباب: يحدثنا التاريخ أن شريحاً قابل الشعبى يوماً فسأله الشعبى عن حاله في بيته فقال له شريح: منذ عشرين عاماً لم أر ما يغضبني من أهلي، قال له وكيف ذلك؟ قال شريح: من أول ليلة دخلت على امرأتي ورأيت فيها حسناً فاتناً وجمالاً نادراً، قلت في نفسي أصلى ركعتين شكراً لله - عز وجل -.
فلما سلمت وجدت زوجتي تصلى بصلاتي وتسلم بسلامي.
فلما خلا البيت من الأصحاب والأصدقاء قمت إليها فمددت يدي نحوها فقالت: على رسلك يا أبا أمية كما أنت. ثم قالت: إن الحمد لله أحمده واستعينه وأصلي على محمد وآله وبعد. فإني امرأة غريبة، لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وبين لي ما تكره فأتركه، ثم قالت: فلقد كان لك في قومك من هي كفء لك،، ولقد كان في قومي من هو كفء لي، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله به فإمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولك.
من منا سمع مثل هذا الكلام ليلة عرسه!؟
قال شريح: فأحوجتنى والله يا شعبي إلى الخطبة فى ذلك الموضوع، فقلت: أحمد الله واستعينه وأصلى وأسلم على النبي وآله وبعد فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك، فإني أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها فقالت: كيف محبتك لزيارة أهلي؟
قلت: ما أحب أن يملني أصهاري. فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن قوم صالحون وبنو فلان قوم سوء.
قال شريح فبث معها بأنعم ليلة، فمكثت معي عشرين عاماً لم أعتب عليها في شيء إلا مرة وكنت لها ظالماً.
يالها من حياة هانية وعيشة راضية.
وصدق من قال:
رغيف خيز واحد *** تأكله في زاوية
وكوز ماء بارد *** تشربه من صافية
وغرفة نظيفة *** نفسك فيها هانية
وزوجة مطيعة *** عينك عنها راضية
وطفلة صغيرة *** محفوفة بالعافية
واختارك الله له *** حتى تكون داعية
خير من الدنيا وما فيها *** وهى لعمري كافية
ثانياً: وصية أم لابنتها عند الزواج:
خلت الأم الصالحة العاقلة البليغة أمامة بنت الحارث خلت بابنتها في ليلة زفافها وأهدت إليها هذه الوصية الغالية.
فانتبهوا معي أيها الأحباب، وانتبهن أيتها الأخوات الفضليات والأمهات الكريمات
قالت الأم لأبنتها: أي بنيه إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك ولكنها تذكرة للغافلة ومعونة للعاقلة.
أي بنيه: لو أن امرأة استغنت عن الزوج، لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها، لكنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال، فخذي وصيتي فإن فيها تنبيه للغافل ومعونة للعاقل.
أي بنيه: إنك فارقت الجو الذي منه خرجت، وخلفت العيش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكة عليك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً.
واحفظي له خصالاً عشراً تكن لك ذخراً.
أما الأولى والثانية: فالخضوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله والإرعاء على حشمه وعياله، ملاك الأمر في المال حسن التدبير وفى العيال حسن التقدير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً، ولا تفشين له سراً فإنك إن خالفت أمره أو غرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره.
ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مغتماً، والكآبة بين يديه إن كان فرحاً.
هذه هي أخلاق المرأة المسلمة، وهذا فهمها، وهذه وصيتها، وتلك ثقافتها، فبالله عليكم هل سمعتم كلاماً وعقلاً وحكمة كهذه.
هذه هي المرأة المسلمة، يوم أن تسربلت بأخلاق الإسلام، وتربعت على عرش حياتها تهز المهد بيمينها وتزلزل عروش الكفر بشمالها، ووالله من كانت هذه أخلاقها فهي من أهل الجنة.
ففي الحديث الذي رواه النسائي والطبراني في الصغير والأوسط وهو حديث حسن بشواهده حسنة شيخنا الألباني.
أن النبي قال: "نساؤكم من أهل الجنة الودود العؤود على زوجها (أي بالنفع والخير) التي إذا غضب زوجها جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول لا أذوق غمضا (أي نوماً) حتى ترضى".
ثالثاً: وصيتي للشباب عامة والأزواج خاصة:
أوصى الشباب بما أوصاهم به المصطفى في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم قال النبي - صلى الله عليه وسلم- : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" ([6]).
وأبشرهم بحديث رسول الله الذي رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، وابن حبان في صحيحة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
عن أبى هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: " ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف" ([7]).
وأوصى الأزواج بنسائهم خيراً كما أمرنا الله - عز وجل - بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ([8]).
ولأمر النبي - صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيراً"([9]) والحديث رواه البخاري ومسلم.
فزوجك أمانة، أمنك الله إياها، وسوف يسألك عنها يوم القيامة، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته وهذا موضوع طويل.
وأخيراً أوصى الآباء والأمهات بعدم المغالاة في المهور، والإسراف في الجهاز والنفقات، وغيرها، فإنها تمحق بركة الزواج، وهذا هو الذي جعل أكثر الشباب عزباً وجعل أكثر البنات عوانس، والجريمة الأولياء الذين يتشددون في هذا الأمر، وهذا من أقوى أبواب الفساد في الأمة والعياذ بالله.
وأذكركم بحديث النبي الذي رواه أحمد في مسنده والحاكم وفى سنده عيسى بن ميمون قال البخاري منكر الحديث وباقي رجاله ثقات وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق أخر وسنده حسن.
عن عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: " أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة".
أسأل الله الهداية والرشاد للجميع وبارك الله للعروسين وبارك عليهما وجمع بينهما في الخير دائماً إنه ولى ذلك ومولاه.
محمد حسان