موضوع: وقفات مع قضية النكاح الأربعاء يوليو 14, 2010 12:35 pm
أما بعد:
أيها المؤمنون:اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. عباد الله: إن من رحمة الله - تعالى - بكم ومن لطيف إحسانه إليكم أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة فأحل بفضله النكاح بل أمركم به ورغّبكم فيه وحثكم عليه، فقال - سبحانه -: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ(1)، وقال جل ذكره: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ (2)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج))(3) والباءة هي القدرة على النكاح بالمال والبدن. أيها المؤمنون: إن منزلة النكاح في الشرع عظيمة وفوائده جليلة فإنه من أعظم ما يعين على الاستقامة ويجنب المؤمن الضلال والغواية فبه يحصل قضاء الوطر وسرور القلب وتحصين الفرج وغض البصر وغير ذلك من الفوائد ونفائس الغرر، فتعاونوا - أيها المؤمنون - جميعاً على تكثير النكاح وتيسيره وإشاعته وتذليل سبله وإزاحة عوائقه. أيها المؤمنون: إننا بحاجة ماسة إلى أن نقف مع قضية النكاح والزواج وقفات عديدة نعالج فيها بعض أخطائنا ونصوّب فيها سيرنا ونقوم معوجّنا وننبّه غافلنا فإن موضوع النكاح موضوع حساس اختلطت فيه العادة بالعبادة حتى التبس الأمر فيه على كثير من الناس. أيها المؤمنون: إن أهم مسألة نبدأ بها وقفاتنا مع النكاح هي ضرورة المبادرة إليه عند قيام دواعيه استجابة لنداء الفطرة التي فطر الله الناس عليها: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (4)، وطاعة لأمر الله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - فلا يجوز لمؤمن تأخير النكاح مع الحاجة إليه وتوافر أسبابه وشروطه سواء كان التأخير لأجل إكمال الدراسة أو تحصيل الوظيفة أو زواج الأخ أو البنت الكبرى قبل الصغير أو الصغرى أو غير ذلك من الحجج والدعاوى الباردة الواهية. أيها المؤمنون: إن مما يدعو إلى القلق وينذر بالأخطار والفتن ظاهرة تأخير نكاح الذكور والإناث لاسيما في هذه الأوقات التي راجت فيها سوق الشهوات وتيسرت أسباب الوقوع في الفواحش والموبقات. عباد الله: إن سلف الأمة الصالح قد شددوا في ترك النكاح مع قيام دواعيه وانتفاء موانعه فهذا الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: لا يمنع من النكاح إلا عجزٌ أو فجورٌ، فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله أيها الشباب، اتقوا الله أيها الأولياء وامتثلوا أمره في المبادرة إلى النكاح فإنه حصن حصين يقي الأمة شراً كبيراً وفساداً عريضاً: والله يُريدُ أن يَتُوبَ عَليكُم ويريدُ الذين يتبعونَّ الشهواتِ أن تَميلوا مَيلاً عَظيمَاً يريدُ الله أن يخففَ عنكم وخُلق الإنسانُ ضَعيفاً(5). عباد الله: إن مما يوقف عنده في قضية النكاح اختيار الزوجة فإن اختيارها له أهمية فائقة وعاقبة عظمى يُحتاج معها إلى تروٍّ وبعد نظر، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك))(6). عباد الله: إن أهم الصفات التي يجب أن يعتنى بها عند اختيار الزوجة استقامة الدين والخُلق فإن المرأة كلما كانت أدين وأكمل خلقاً كانت أحب إلى النفس وأقرب إلى حسن العشرة، فالمرأة ذات الدين قائمة بأمر الله حافظة لحقوق زوجها وفراشه وماله راعيةٌ لأولادها قال - تعالى -: الصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ(7) والمرأة ذات الخلق - أيها المؤمنون - تتودد إلى زوجها وتحترمه وتتلطّف له وتحسن معاشرته فاظفر بذات الدين تربت يداك. أيها المؤمن: وإن مما يجب أن يهتم به ويعتنى به عند اختيار الزوجة أن تكون حسنة المنظر محصّلاً بها مقصود النكاح من إعفاف النفس والفرج والبصر، دون غلو ولا إجحاف فإن بعض الشباب - هداهم الله - يبالغون في الشروط والمواصفات حتى لا تكاد تُرى مجتمعة في امرأة واحدة فترى هذا المسكين معطلاً عن النكاح سنوات يطلب هذه الأوصاف العزيزة التي لا توجد إلا في النوادر من النساء، فليتق الله هؤلاء الشباب فإن جمال الصورة سريع الزوال والذي يبقى هو جمال الباطن قال الله - تعالى -: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ( فلو اكتفى هذا ببعض الجمال الذي يحصل به المقصود لكان خيرا ًله وأحسن تأويلاً. أيها المؤمنون: إن من الواجب على أولياء النساء أن يطلبوا لنسائهم من الرجال كل ذي خلق فاضل ودين مستقيم فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير))(9). فانظروا أيها الأولياء في هذه الأمانة العظيمة التي حملتموها تحروا في حال من يتقدم لكم طالباً النكاح من نسائكم سلوا عن دينه واستقامته ابحثوا عن أخلاقه ومعاملته انظروا في أصحابه وأقرانه ولا تغرنكم المظاهر أو المناصب أو الأموال، واعلم أيها الأب وأيها الولي على المرأة أن الله الولي الكبير العلي العليم الغالب الطالب الذي يعلم السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، سائلك عن هذه الأمانة يوم القيامة "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" فأعد بارك الله فيك للسؤال جواباً، وإياك إياك أن تزوج ابنتك أو أختك من لا يصلي أو من يشرب الخمر أو يأكل الربا أو يأتي الفواحش ما ظهر منها وما بطن أو من لا ترضى أخلاقه وسجاياه فإن هذا خيانة للأمانة وغش للرعية. أيها الأولياء إن من أداء الأمانة أن تشاور النساء فيمن يتقدم لهن فإنه لا يجوز لكم أن تكرهوا النساء على نكاح من لا يردن نكاحه فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهاكم عن ذلك سواء كانت المرأة بكراً أو ثيباً ففي صحيح مسلم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((والبكر يستأذنها أبوها))(10)، وأما الثيب فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تنكح الأيم حتى تستأمر))(11)، ولينتبه الأولياء إلى أن هذه المشاورة إنما تكون بعد التحقق من استقامة دين المتقدم للخطبة وصلاح أخلاقه فإن المرأة لا حيلة لها في معرفة أحوال الرجال وصلاحهم، فإذا ثبت لك استقامة دين المتقدم وخلقه فشاور ابنتك أو أختك وبين لها حاله تمام البيان وحثها على قبوله فإن أبت فالأمر إليها.
الخطبة الثانية: أما بعد: فاتقوا الله عباد الله واحذروا أسباب سخطه وموجبات عقوبته. أيها المؤمنون: إن من الخيانة التي وقع فيها بعض أولياء النساء عضلهن ومنعهن من نكاح الصالحين الأكفاء من الرجال إما طمعاً في المهور العالية أو الرواتب الجارية، إن كانت المرأة موظفة أو عاملة أو غير ذلك من الأسباب الواهية. أيها المؤمنون: إن عضل النساء ومنعهن من نكاح من يرضى دينه وخلقه كبيرة من الكبائر وسببٌ لشرور وفتن وعظائم فاتقوا الله - أيها الأولياء - واعلموا أن أهل العلم قد قالوا: إنه إذا عضل الولي الأقرب بدون مسوغ شرعي فإن الولاية تنتقل عنه إلى الولي الأبعد فإذا امتنع الأب مثلاً من تزويج ابنته كفواً في دينه وخلقه وقد رغبت فيه المرأة ورضيت فإنه يزوجها أولى الناس بها بعده من إخوتها أو أعمامها وبنيها إن كان لها أبناء فإن امتنع هؤلاء فإن السلطان أي الحاكم الشرعي ولي من لا ولي له. فاتقوا الله أيها الأولياء وأصلحوا أعمالكم وسارعوا إلى إعفاف نسائكم بنكاح من يرضى دينه وخلقه. أيها المؤمنون إن من أعظم العضل وأشد الظلم ما يفعله بعض القبائل من تحجير المرأة على ابن عمها أو قريبها لا تتزوج للأبد ولو كانت كارهة له ولا تريده، وإذا تزوجت من غيره هدد بالقتل والإفساد وهذه العادة الجاهلية عادة قبيحة باطلة تأباها النفوس السوية والعقول الراجحة فيجب علينا جميعاً أن نتخلى عن هذه العادة الباطلة وغيرها من العوائد القبيحة المحرمة. أيها المؤمنون: تعاونوا جميعاً على تكثير النكاح بين المسلمين بتسهيل أسبابه والإعانة عليه والدعوة إليه فإنه من نعم الله الجليلة التي يصلح الله بها العباد والبلاد اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والرشاد والغنى. خالد المصلح