الملتقى الدعوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الملتقى الدعوي - الملتقى الفكري - اسلاميات
 
الرئيسيةالمواضيع الأخيرأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الصبر والمصابرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبوأنس




عدد المساهمات : 306
تاريخ التسجيل : 14/07/2010

الصبر والمصابرة Empty
مُساهمةموضوع: الصبر والمصابرة   الصبر والمصابرة I_icon_minitimeالأحد يوليو 18, 2010 12:33 am


قال - رحمه الله -: "وصابر عطش الهوى في هجير المشتهى، وإن أمضَّ وأرمضَ".
"إن أمضَّ وأرمضَ" أي: وإن آذاك وأزعجك.
"صابر عطش الهوى" أي: يريد الإنسان عمل شيء معين لكنه لا يستطيع، لأنه حرام، ففي هذه الحالة صابر، والمصابرة: غير الصبر، المصابرة: مفاعلةٌ ما بين اثنين، يمكن للإنسان أن يصبر لكن لا يصابر، ولذلك قال الله - عز وجل – (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوُا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا) [آل عمران: 200].
فالمصابرة أشق، يمكن للإنسان أن يصبر بينه وبين نفسه، ويمكن أن يبتعد عن محل الهوى أو محل المشكلة، أو يحجز نفسه بالبيت، ففي هذه الحالة اعتزل، فيسهل الصبر عليه وإن كان مرًّا؛ لأن اسمه صبر، لكن المصابرة مفاعلة، هناك طرف آخر يجرك للمشكلة، فأنا يمكن أن أكون عصبياً جدًا، وأي أحد يعتدي مباشرة أتشاجر معه، لكن مادام ليس هناك شجار، وهم بعيدون عني فأنا هادئ، ولذلك تجد بعض الناس، سمته هادئ جداً، وشكله هادئ جدًا، وفجأة تجده ناراً تحرق، فأنت تتعجب؛ إذ لم يكن يظهر عليه أنه هكذا لكن لما جعل المحك صار نارًا تحرق، والذي مثل هذا لا يظهر أبدًا أنه عصبي، طالما أنه لا يوجد من يثيره، وعلى كلٍّ فالمطلوب منك صبر فوق صبر.
يقول ابن الجوزي - رحمه الله -: "صابر عطش الهوى في هجير المشتهى" الهجير: شدة الحر.
انظر عندما، تكون في صحراء وفي رمضاء تشوي الجلود، والشمس تحرق الجلود، وتغلي منها الرؤوس، وستموت لكي تشرب، وهذا محل شدة العطش، يقول إذا جاءك الهوى، أي: تهوى شيئاً ما.
مثلاً: كنت تحب سماع الأغاني، ولا تنام إلا على الأغاني، وأغنية معينة لها مواقف معك تتمنى سماعها، وفجأة وأنت تبحث في الإذاعة لتسمع محطة القرآن الكريم مررت على عدة إذاعات، فوجدت الأغنية التي تحبها وكان لها وقع في قلبك، ففي أوقات تتركها خمس دقائق، أربع دقائق وتحس أن قلبك يتحرك يمكن تسمع الأغنية إلى آخرها ثم بعد سماعها استغفر الله استغفر الله، وأمثال ذلك.
من يريد السلامة لا بد أن يبتعد عن محل الفتنة، فأي هوى كان يفعله يمكن في لحظات نقصان الإيمان أن يأتي الهوى، و يمكن أن يشتد عليه.
فيقول ابن الجوزي" صابر عطش الهوى في هجير المشتهى وإن أمضَّ وأرمضَ فإن وصلت إلى الغاية في الصبر فاحتكم وقل". أي: إذا جاءك الهوى في هجير المشتهى، تتمنى فعله، وستموت إن لم تفعله، فربط الله - عز وجل - على قلبك وصبرت وتجاوزت الأزمة، إذا وصلت لهذه المرحلة فاحتكم وقل، ساعتها تقول نحن هنا.
ابن الجوزي يقول هذا الكلام: على افتراض أن الذي وصل إلى هذا سيحتكم ويقول، لكن الواقع غير ذلك؛ لأن من وصل إلى هذه يخاف على عمله أن لا يُقبل، لو وصل إلى هذا المستوى، يتجاوز الهوى ويصبر على حز الغلاصم ونجا، هؤلاء أهل التقوى. فهذا لا يحتكم ولا يقول، ولكنه خائف أن لا يقبل عمله.
كما في الحديث، -وإن كان ضعيفًا، و كثير من الناس يحتج به- عندما قرأت عائشة قول الله - عز وجل -: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60] قالت: يا رسول الله، أهذا الزاني يزني والسارق يسرق؛ إذ معنى الآية (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا) أي: يفعلون الفعل (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) خائفون (أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) فيحاسبهم على ما كان منهم.
من الذي يعمل العمل وهو خائف؟ الذي عمل مخالفة، وعلى ذلك عائشة رضي الله عنها -على فرض ثبوت الحديث- لم تفهم إلا أن هذا عاصي، وإلا فالعبد عندما يكون مطيعاً لماذا يخاف؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يا ابنة الصديق، هؤلاء أقوام أتوا بصلاة وزكاة وصيام وصدقة ثم يخشون أن لا يُتقبل منهم)) في إسناده انقطاع.
لكن هناك شواهد كثيرة أخرى حتى من فعل الصحابة -السنة العملية للصحابة- وهم يأتمون برسول الله صلى الله عليه وسلم.
النبي عليه الصلاة والسلام كما نعلم من حديث أنس وغيره وحديث المغيرة ابن شعبة أنه كان يصلي حتى تتفطر قدماه، فيقال له في ذلك كما قالت عائشة له: "لقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر"، قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا)) ثم بعد ذلك لا يوفي نعم الله عليه ويبين بجلاء أنه صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة بعمله، إلا أن يتغمده الله - عز وجل - برحمته.
العبد إذا أراد أن ينظر أيدخل الجنة بالعمل أم لا، لا، لن يدخل بالعمل؛ لأن المسألة مسألة موازين، العبد يفعل الفعل، لا يجوده عادةًً، يصلي الصلاة ويمكن أن يأخذ خمسها فقط، أو يأخذ عشرها، أو يأخذ ربعها، إذاً عند كل صلاة يأخذ ربعاً وأوقات أخرى لا يأخذ شيئا، المفروض أن صلاته توزن، توضع في الكفة ثم نرى نعم الله - عز وجل - في الكفة الثانية، كلنا سنضيع لو أن المسألة كذلك، إلا أن يتقبل الله - عز وجل - منا إذا بذلنا أقصى ما في وسعنا حتى وإن كان قليلاً، ولكن تصل إلى سقف طاقتك.
الإنسان إذا وصل إلى هذه الدرجة، "فاحتكم وقل" ابن الجوزي يقول: إذا أنت وصلت إلى هذه المرحلة حينئذ تكون وصلت إلى مقام من لو أقسم على الله لأبرَّه.
ثم ذكر ابن الجوزي - رحمه الله - نماذج لمن لو أقسم على الله لأبره.
قال: "تالله لولا صبر عمر ما انبسطت يده بضرب الأرض بالدرة" الدرة: عصا لينة كانت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عمر يضرب بها بعض الصحابة ومع ذلك لم يكن يغضب من عمر أحد؛ لصدقه رضي الله عنه، جعل الله - عز وجل - له من المهابة والمكانة والمحبة في قلوب الصحابة و في قلوب التابعين ما جعلهم يتجاوزون هذا المعنى.
أي رجل يبتليه الله - عز وجل - بالإمارة، لا بد أن يتسلح بسلاح الصبر والحلم والسخاء، لا يسود إلا بهؤلاء.
الصبر عصب الولاية، عصب الإمارة، أيُّ إنسان يتولى منصباً من المناصب لا بد أن يكون صبورًا وحليمًا وسخيًا؛ لأن الإدارة كلها مشاكل، الإدارة تحتاج إلى حزم، والحزم أكثر الناس يتجاوزون حدوده، فمثلا: أنا إنسان لي منصب معين، وشخصٌ ما أتى لي بشفاعة، وهذه الشفاعة سأتجاوز بها الحكم الشرعي، فيقول من يطلب الشفاعة: افعل كذا لأجْلي، ثم يذكر العلاقات والود، وليس بعيداً أن يأتي بهدية، فالإنسان الذي في الإدارة لو تجاوز لهذا وهذا وهذا، فسدت الإدارة، فيحتاج أن يصبر.
نصيحة الشيخ للشباب القائم على الدعوة:
إيَّاك أن تتلبس بشيء من الإدارة؛ لأن عدَّة العالم و عدَّة الداعي إلى الله - عز وجل - تختلف عن عدَّة الإداري؛ الإدارة تريد حزماً، وأن لا تجامل، لكن عدَّة الداعي أن يُصبِّر المشتكي، فلو أتى له مشتكٍ قائلاً له: فلانٌ قال لي كذا وكذا شتمني وأحرجني أمام الناس، فأنا كداعي أربض عليه مصبراً إياه، بأنه أخوه فالتمس له سبعين عذراً، ولا تحمل كلامه على الشر، وأن تجد لها محملاًً، وحسن الظن في الله وفي أخيك المسلم، وحسن الظن ليس له أي مشاكل، وسوء الطن له مشاكل، ثم يقبل رأسه حتى يرضيه، فهنا لم نعالج الموضوع، كل المسألة صبّرتُ وأنهيت، والمشكلة مازالت قائمة، فأنا لو دخلت في الإدارة بأخلاق الداعي إلى الله لن تنجح الإدارة، ولو دخلت الدعوة إلى الله - عز وجل - بأخلاق الإداري لن تنجح الدعوة؛ لأنني سأكون حينئذ غليظاً، لن أترفق مع أحد لن أتلطف مع أحد، وأصُكُّ صكَّ الجندل، ولو خرجت روحه في أي شعبة من الشعاب لا يضرني إلى أين ذهب.
مثلا: أنا رجل لي قبولٌ في المكان الذي أنا فيه، فقالوا لي: نريدك رئيس مجلس إدارة المسجد، أو رئيس مجلس إدارة الجمعية، وهذه الجمعية لها نشاطات اجتماعية للفقراء والمرضى، فصرت رئيس مجلس الإدارة، وجاء لي أحد الأشخاص يريد أشياء ليست من حقه، فأجبته بالرفض فلم يتقبل الأمر، فكانت النتيجة حدوث مشادة بيننا على إثرها أُخرِج خارج الجمعية، ثم بعدها كنتُ خطيباً للجمعة، وجلست تتكلم عن حسن الأخلاق وتحث على حسن الخلق، وأن تعامل أخاك المسلم بالصبر، وتصبر على أذاه وتقابله بالبشر، ولا تعبس في وجهه فيكون من الحاضرين هذا الشخص الذي رفضت شفاعته، وحدثت مشادةٌ بينكما فيتعجب، ماذا يقول هذا الخطيب، وهو من يومين فقط طردني من الجمعية؟ فيرد قائلاً: اعمل بما تقول به، فيسقط هذا الرجل ويسقط ما يقوله؛ نظرًا لأنه حاول أن يحزم مع أنه كان محقًا في الحزم، ولم يرضَ بأن يعطي أي إنسان؛ لأن اللوائح لا تسمح بهذا، وأنا لا أستطيع فعل شيءٍ مثل هذا، إذاً عندما يستخدم الإداري أخلاق الداعية، -وليس معنى ذلك أن الإداري يكون غليظاً- ولكن يكون حازماً لا متجاوزاً حدَّه ولا بذيءَ اللسان، فهذا الحزم يحتاج إلى صبر، فعمر ابن الخطاب كان أمير المؤمنين، كيف كانت سيرته؟ وكيف كان صبره؟ وكيف كان إذا ضرب بالدرة لا يتغير قلب أحد عليه؟. هذا ما نعرفه في المرة القادمة إن شاء الله تعالى.
واللهَ - سبحانه وتعالى - أسأل أن يجعل ما قلته لكم زادًا إلى حسن المصير إليه، وعتادًا إلى يمن القدوم عليه، إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.----------------------
ابو اسحاق الحويني


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الصبر والمصابرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الملتقى الدعوي :: المنتديات العامة :: الــــحــــــــــــوار الإســــــــــلامي-
انتقل الى: