الدوافع التي دعت إلى الحديث عن منهج السلفية:
الحمد لله الذي جعل اتباع رسوله على محبته دليلاً، فأوضح طرق الهداية لمن شاء أن يتخذ إليه سبيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد مخلص لم يتخذ من دونه وكيلاً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي اختص أمته بأنه لا تزال فيها طائفة على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ولو اجتمع الثقلان على حربهم قبيلاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير الناس هدياً وأقومهم قيلاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد: فقد بعد العهد بتناول أمثال هذه القضية المهمة الخطيرة، وبإذن الله- تبارك وتعالى - نتيجة لضخامة هذا الموضوع وتشعبه وتوسعه- سنجعل هذه المحاضرة مجرد مدخل يتناول رءوس أقلام في موضوعات شتى، وإن كان كل منها يستحق أن يفرد في محاضرات، فهناك دوافع كثيرة لإحياء بحث هذه القضية والتنبيه إلى حقائقها، منها: بيان حقيقة السلفية، وأنها منهج حياة، وأنها أسلوب في فهم الإسلام وتلقيه، ومنهج عملي في تطبيقه، وبيان أن الانتماء إلى السلفية هو حتم واجب على كل مسلم.
السلفية هي منهج لكل مسلم، وليست قضية اختيارية يكون الإنسان مخيراً فيها، نقول هذا وإن كان سلوك بعض من ينتسبون إلى السلفية يرسخ في نفوس العوام أو المخالفين كأنها كيان مبتور من جسد هذه الأمة، بعض الناس يتصور أن السلفية مذهب من المذاهب، أو طائفة منغلقة لها رسومها وأفكارها الخاصة بها، نريد أن نبين أن السلفية منهج حياة، وهي الفهم الصحيح للإسلام، ولا نقول: فهم الإسلام الصحيح؛ لأنه لا يوجد إسلام صحيح وإسلام غير صحيح، إنما الذي يطرأ عليه الصحة أو الخطأ الفهم البشري، وكذلك نريد أن نوضح أن قضية السلفية هي في الحقيقة أعمق مما يتصوره بعض المشنعين حيث زعم أن السلفية سواك، وقميص قصير، ولحية طويلة... إلى غير ذلك من هذه الأشياء التي يحاولون أن يبرزوا بها السلفية في هذه القضايا الجزئية، كذلك نريد أن نبين أنه لا تعارض على الإطلاق بين الإسلام وبين السلفية، بعض الناس لا تطيق قلوبهم الإعلام بهذا الانتماء إلى السلف الصالح - رحمهم الله - تعالى -، فيقولون: لماذا لم نكتف باسم الإسلام؟ ويقولون: الله - تعالى -قال: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ) [الحج: 78]، وإنما ينشأ هذا لأنه يتصور أن هناك تعارضاً بين التسمي بالإسلام وبين الانتماء إلى السلفية، وفي الحقيقة: العلاقة بين الإسلام وبين السلفية هي عبارة عن علاقة بين العام والخاص، فالاتصاف بالسلفية -أو مرادفاتها من الألقاب الشريفة التي سنذكرها- لا تعارض الإسلام على الإطلاق، بل هو تخصيص بعد تعميم على نحو قوله - تعالى -: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة: 98]، فهل هناك تعارض بين قوله - تعالى -: (وملائكته)، وقوله: (وجبريل وميكال)؟ كلا، بل هذا عام أتبعه بذكر الخاص، ونريد لكل من يسمع هذا الموضوع أن ينزع من قلبه الحساسية تجاه هذا اللقب، ونحن نعذر كثيراً من الناس لما نشأ عندهم من الحساسية نتيجة أخطاء بعض من ينتسبون إلى السلفية، وهم بشرٌ غير معصومين، يخطئون ويصيبون، فينبغي أن نتحرر من هذه الحساسية، خاصة ونحن نرى جميع الجماعات الإسلامية أو الاتجاهات الإسلامية تتشرف بمحاولة الانتماء إلى المنهج السلفي لكننا نقول:
وكلٌ يدعي وصلاً بليلى *** وليلى لا تقر لهم بذاك
إذ اشتبكت دموع في جفون *** تبين من بكى ممن تباكى
ويقول آخر:
إن كنت تنوح يا حمام البـ *** ـان للبين فأين شاهد الأحزان
أجفانك للدموع أم أجفاني *** لا يقبل مدع بلا برهان
فالدعوة سهلة "وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان"، فنريد أن نتعرف على ملامح هذا المنهج حتى نتعرف من هم أحق الناس به، ومن هم أهله على الحقيقة.
أقرر -بادئ ذي بدء- أنني لا أوظف هذا المصطلح الشريف ومرادفاته -كأهل السنة والجماعة أو الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة... إلخ- خدمة لتجمع بعينه؛ لأن المنهج لا يخدم أحداً، إنما هو مخدوم، ولا أقصد أيضاً أن أوظفه مسوغاً لواقع تجمع معين أو فكرة حزبية؛ لأن المنهج السلفي هو منهج معصوم في حقيقته، فهو يقوم على أصول معصومة، السلفية تقوم على الكتاب والسنة والإجماع، وخاصة إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، المنهج فوق الجميع، أما السلفيون فهم بشر يخطئون ويصيبون، ويجب أن يحاكم كل واحد منهم وفق هذا الميزان الحساس الدقيق، وكل من ينتمي إلى السلفية يجب أن يراجع نفسه وأحواله عن طريق النقد الذاتي، ويزن نفسه بهذا الميزان الذي ذكرنا أنه ميزان معصوم.
إذاً: بعبارة أخرى: نحن نريد أن نفرق بين ما نحن عليه من حيث انتمائنا إلى السلفية، وبين ما ينبغي أن نكون عليه إذا تشرفنا بهذا الانتماء.
أيضاً من الدوافع لتناول هذا الموضوع: أننا لا نبرئ كثيراً ممن ينتمون إلى السلفية من تسرب بعض مظاهر التحزب والتعصب ممن ينتمون إليها، وهم في الحقيقة لا يفهمون كنهها وجوهرها، ومن دوافع الكلام في هذا الموضوع: أن هناك محاولات لتصحيح الانتماء إلى السلفية، وتذويب هذا المصطلح النوعي، وسنشرح إن شاء الله - تعالى - ما نقصد بكلمة النوعية، من الدوافع: بيان أن السلفية هي الميزان الحساس الذي يقاس به كل الناس بمن فيهم السلفيون، ودرء محاولات فرض الوصاية على المنهج، فهناك بعض الناس يريدون أن يحتكروا الكلام باسم السلفية، ويريدون هم أن يستأثروا بمفاتيح الدخول إلى السلفية، وبعضهم قد يمارس الإرهاب الفكري: وافقني على فهمي وإلا فلست سلفياً! فليس في السلفية صكوك خاصة بها يحتكرها بعض الناس، وإنما السلفية بابها مفتوح على مصراعيه لكل من أراد أن يلج هذا الباب، ويسلك طريق النجاة.
أيضاً: من الدوافع أننا نلاحظ وجود تباين شديد بين فئات شتى كلٌ منها ينتسب إلى السلفية، بالرغم من وجود نتوءات شاذة في فهم كثير من هؤلاء السلفيين، حتى رأينا في الحقيقة ثلاثيات وليس ثلاثية واحدة، ولا شك أن هناك منطقة من الخلاف المباح بين تجمعات السلفيين، لكن هناك مفاهيم لا يجوز أن يحصل فيها اختلاف أو تفاوت في الفهم.
نريد أيضاً أن نبين أن السلفية أو منهج أهل السنة والجماعة أو الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة أو أهل الحديث... إلخ تلك الأسماء هو العلاج الوحيد الناجع الذي يستأصل شأفة الفرقة الواقعة بين المسلمين؛ لأن كلاً منا يقطع بأن جميع مشكلات المسلمين وخلافاتهم ويمكن أن تنقشع فوراً إذا ما عاد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليحكم بيننا، لو فرضنا أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خرج إلينا فلا شك أنها ستنقشع الخلافات بين من ينتمون إلى دينه ودعوته وإلى طريقه - صلى الله عليه وآله وسلم -.
بعض الناس قد يتحسر ويقول: قد مات رسول الله - عليه السلام - ولن يعود إلى الحياة، لكن نقول: لا تأس ولا تحزن؛ لأنه إن كان قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الحجة قائمة، وما قبض حتى بين لأمته كل شيء - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإذا فرض أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سيعود إلينا ليحكم بيننا، ويحسم خلافاتنا، ويعالج مشكلاتنا، فهذا ليس في الحقيقة خيالاً، وإنما هو أقرب إلينا جميعاً من حبل الوريد؛ لأن المنهج السلفي الصحيح ومنهج أهل الحديث يفعل ذلك؛ لأنه يوقفنا على موقف رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ونصيحته لنا لو عاش حتى أدرك هذا الواقع الذي نعيشه، ولهذا أيضاً مزيد من التفصيل نبينه إن شاء الله - تعالى -...
أهمية معرفة منهج السلفية وما يلزم من سلكه:
إذا خرجت مثلاً على الطريق الزراعي فستجد عدة طرق رئيسية، فإذا وقفت على تقاطع الطرق التي كل منها يؤدي إلى عدة مدن رئيسية، فإنك تختار الطريق التي توصلك إلى البلدة التي تقصدها، لكنك لا تضمن وصولك سالماً غانماً إلى الموضع الذي تقصده إلا بمراعاة أمور مهمة جداً أثناء سيرك في الطريق، بعبارة أخرى: نحن نحتاج إلى هدايتين: نحتاج إلى هداية إلى الطريق عند اختيار طريق رئيسي من عدة طرق، ثم نحتاج إلى هداية في الطريق ونحن نسلك هذا الطريق، والنجاة لا يحصلها الإنسان إلا بتحقيق هاتين الهدايتين، فالطرق الرئيسية هي بمثابة الأديان المختلفة سواء أديان سماوية ثم حرفت كاليهودية أو النصرانية أو أديان وضعية كالزرادتشية أو البوذية وغير ذلك من الملل الكفرية، فالهداية إلى الطريق هي الهداية إلى طريق الإسلام ونبذ طرق الكفر، فالإسلام بين الملل: هو الدين الوسط كما قال - تعالى -: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143]، وقال - تعالى -: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) [آل عمران: 19]، وقال - تعالى -: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85]. أيضاً: لا بد من معرفة قواعد السير بهذا الطريق وإلا تعرض الإنسان للحوادث، لا بد أن يحترم إشارات المرور، ويعرف أن هناك منحنى خطر، وهناك مكان -مثلاً- مرتفع، وهذه المنطقة مليئة بقطاع الطريق، فينبغي للإنسان أن يحفظ ضوابط السلوك في هذا الطريق، فهناك قواعد للسير في داخل الطريق وهي ضوابط المرور، ويجب أن يكون الإنسان منتبهاً إلى التحذيرات المعلنة على جانبي الطريق، وهي تضمن لك السلامة ما دمت قد راعيتها.
وجوب اتباع الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة والأدلة عليه:
الهداية هدايتان: هداية إلى الطريق: والهداية إلى الطريق هو طريق الإسلام دون طرق الكفر، ثم هداية في الطريق تحميك من الانحراف في السبل التي يقف على رأس كل سبيل منها شيطان يدعو إليه، وهو ما نسميه بالفرق النارية، وكذلك هداية تحميك من الدجاجلة الذين يقفون على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، إذاً: وقف الإسلام وقف عام يشمل كل من دخل في الإسلام، وهم من نسميهم بأهل القبلة، ثم نحن في حاجة إلى وقف آخر مع وقف الإسلام، فلا يمكن للإنسان أن ينال النجاة إلا بالحق الواضح، بأن يكون أولاً مسلماً ثم يكون من أهل السنة والجماعة أو من السلفيين أو من الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة أو أهل الحديث أو من الجماعة أو من السنة أو غير ذلك من الأوصاف، فهذه الألقاب كلها تشير إلى منهج متميز هو الأخذ بالكتاب والسنة بفهم السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم، وهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان، إذاً: لا بد من الاهتمام بنقطة الابتداء، الإنسان عندما يختار طريقاً لا بد أن يكون على بصيرة في اختيار هذا الطريق؛ لأنه إذا أخطأ الطريق منذ البداية فسينفق ردحاً من حياته يتجول ويتلون مع الفرق الضالة، والقاعدة تقول: "إن فساد الانتهاء من فساد الابتداء" ولذلك قالوا: إن من سعادة الحدث والأعجمي إذا أسلم أن يقيض الله له رجلاً من أهل السنة يعلمه السنة ويحمله عليها؛ لأنه بهذا سلم من كثير من العناء، فلو أن رجلاً نصرانياً أسلم على يد شيعي فكم من الجهد والوقت سوف يضيع منه في تعلم مذهب باطل ضال، ثم إذا أراد الله رحمته قيض له من أهل السنة من ينقذه، أيضاً يقول بعض السلف: من سعادة الشاب إذا نسك أن يواخي صاحب سنة يحمله عليها، وهذا كله إشارة إلى أن فساد الانتهاء من فساد الابتداء، دعا بعض الناس فقال: اللهم توفني على الإسلام فقال له عالم: والسنة، أي: اللهم توفني على الكتاب والسنة، وهذا إشارة إلى المعنى الذي سنذكره بأن الإسلام وقف عام، أما السنة فهي وقف خاص، يعني: كأن دائرة أهل القبلة داخلها طوائف شتى، فهي بضع وسبعون دائرة كلها في النار إلا واحدة، وهي الفرقة الناجية التي سوف نبين شأنها. إذاً: يجب اتباع الكتاب والسنة بفهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم وسلف الأمة، فإن كل فرقة ضالة تدعي الكتاب والسنة سواء الخوارج والشيعة وغيرهم، وهكذا عامة الفرق الضالة تتفاخر باتباع الكتاب والسنة، لكن إذا أردت الامتحان والتمييز والتمحيص قل لهم: اتباع الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح - رحمهم الله تعالى ورضي عنهم-، فهم لا يلتزمون بهذا الضابط وهذا القيد وهو: بفهم السلف الصالح - رحمهم الله تعالى؛ لأن هذا الضابط هو الذي يسد على الأمة منافذ الانحراف، هل هذا الضابط أتى بدون بينة وبدون دليل؟ كلا، بل هناك كثير من الأدلة عليه، منها: قوله- تبارك وتعالى -: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) [الفاتحة: 6-7] فرض علينا ربنا أن ندعوه بهذا الدعاء على الأقل سبع عشرة مرة في اليوم والليلة، (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، ثم بين هذا الصراط أنه: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، وقد بينهم في آية أخرى: (فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) [النساء: 69]، إذاً: من هم الذين أنعم الله - سبحانه وتعالى - عليهم؟ هم المسلمون أهل السنة والجماعة، يقول - تعالى -: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110]، ويقول أيضاً: (فَإِنْ آمَنُوا بمثل..) [البقرة: 137] والسياق في اليهود والنصارى من أهل الكتاب، وتأملوا كلمة (بمثل) فهذه هي السلفية، انظر إلى هذه المثلية (...فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا) [البقرة: 137]، لا هداية إلا بأن تؤمن بمثل ما آمن به الصحابة: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ) [البقرة: 137]، ولحكمة بالغة لم يقل الله- تبارك وتعالى -: "فإن آمنوا بمثل ما آمنت به يا محمد، وهذا فيه إشارة إلى صحة إيمان الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ويقول- تبارك وتعالى -في شأن الصحابة أيضاً: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) [الفتح: 26]، ولم يقل- تبارك وتعالى -: وألزمه كلمة التقوى وإنما قال: (وألزمهم كلمة التقوى)، وهذه شهادة من الله - عز وجل - للصحابة رضي الله تعالى عنهم بأنهم هم أهل التوحيد والجماعة، (وكانوا أحق بها) يعني: كانوا أحق من حملها، وأهلاً لتطبيقها؛ وقد شهد الله - سبحانه وتعالى - لهم بالفوز، فيقول- تبارك وتعالى -: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115] ما هو سبيل المؤمنين؟ قطعاً هو سبيل أفضل أمة على الإطلاق، وهي أمة الصحابة؛ لأن الصحابة أفضل البشر بعد الأنبياء، أفضل أمة بعث فيهم نبي هم الصحابة رضي الله- تبارك وتعالى عنهم أجمعين، (ويتبع غير سبيل المؤمنين) يعني: غير سبيل الصحابة. ويقول - تعالى -: (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) [لقمان: 15]، والصحابة بلا شك هم أعظم من أناب إلى الله - سبحانه وتعالى - بعد الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، ويقول- تبارك وتعالى -: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عنْهُم وَرَضُوا عَنْهُ) [التوبة: 100]، تأملوا هذه الآية: فحينما ذكر الله - عز وجل - المهاجرين والأنصار لم يقيد حالهم بالإحسان؛ لأنهم محسنون بطبيعة الحال، أما كل من أتى بعدهم فاشترط فيه أن يكون تابعاً لهم بإحسان، ولم يشترطه في الصحابة، وهذا فيه إشارة إلى أنهم بطبيعة الحال محسنون رضي الله تعالى عنهم أجمعين، بل إن منهج السلف والصحابة رضي الله تعالى عنهم والاقتداء بهم مما أثنى الله - سبحانه وتعالى - به على عباد الرحمن، ففي صفات عباد الرحمن -في آخر سورة الفرقان- يقول - تعالى -حاكياً لنا دعاء عباد الرحمن: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74]، ومعنى هذه الآية كما فسرها العلماء: اجعلنا نقتدي بمن سبقنا فنصلح لأن يقتدي بنا من بعدنا، هذا خلاصة الكلام في تفسير هذه الآية، فلا يصير الإنسان إماماً إلا إذا ائتم بالسلف الصالح رضي الله تعالى عنهم أجمعين، ثم الله - تعالى -حكى عنهم قولهم: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، ولم يقل: (واجعلنا للمتقين أئمة)؛ لأن طريق المتقين واحد، ومعبودهم واحد، وكتابهم واحد، ونبيهم واحد، فكأنهم إمام واحد لمن بعدهم لا كالأئمة المختلفين، وقال مجاهد: اجعلنا مؤتمين بالمتقين مهتدين بهم، فلا يكون الرجل إماماً حتى يأتم بالمتقين وهم السلف، ومن ائتم بأهل السنة قبله ائتم به من بعده ومن معه، إذاً: يجب الائتمام بالمنهج الذي كانوا عليه، والإمام في الحقيقة هو منهج النبي صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين، ويدل على ذلك عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم – للصحابة: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))، وفي الرواية الأخرى: ((صلوا كما تروني، وليأتم بكم من بعدكم))، فعموم قوله: ((وليأتم بكم من بعدكم))، لا يقتصر على أحوال الصلاة، وإنما يتعدى إلى كل أمور الدين الأخرى؛ لأن الصحابة هم الذين حملوا إلينا هذا الدين. ومن الأدلة أيضاً: أن الله - سبحانه وتعالى - قص علينا قول الكافرين للصحابة: (لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ) [الأحقاف: 11]، أي: لو كان الإسلام حقاً وخيراً ما سبقنا إليه هؤلاء الضعفاء والفقراء، وعلق ابن كثير على هذه المقولة بقوله: أما نحن أهل السنة والجماعة فإننا نرى السلف الصالح - رحمهم الله تعالى - أولى الناس بكل خير، ونحن لا نقول كما قال هؤلاء: (لو كان خيراً ما سبقونا إليه)، ولكننا نقول في أي شيء لم يفعله الصحابة رضي الله تعالى عنهم: لو كان خيراً لسبقونا إليه، فهم أولى الناس بكل خير، أيضاً في الحديث الصحيح في افتراق الأمة يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة))، وفي رواية: "قيل: ومن هي يا رسول الله؟! قال: ((هي الجماعة))" ومن ألقاب أهل السنة: الجماعة، وفي رواية أخرى: قال: ((ما أنا عليه اليوم وأصحابي))، فلا شك أن هذا الحديث من النصوص الواضحة الدلالة جداً على هذا الضابط، وأنه لا بد من هذا القيد: "الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح - رحمهم الله تعالى ورضي عنهم))، وأنه لا بد أن ينضم إلى اتصافك بالإسلام اتصافك بأن تكون من الفرقة الناجية، وإلا كنت من هذه الفرق النارية أيضاً...
المتبعون للكتاب والسنة على منهج السلف هم الفرقة الناجية:
من ألقاب الجماعة: الفرقة المنصورة أو الطائفة المنصورة كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك))، وهم الطائفة المنصورة إلى يوم الدين، وقد توارد كلام أئمة العلم في أن المقصود بهم أهل الحديث، وهنا نقطة مهمة جداً وهي: أن أهل الحديث هم أولى الناس بمعرفة ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وسنزيد ذلك بياناً إن شاء الله - تعالى -.
أيضاً قال - صلى الله عليه وسلم -: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))، وفي بعض الروايات زيادة: ((ثم الذين يلونه))، فدخل فيها القرن الرابع كما سنبين إن شاء الله تبارك وتعالى، وقال - عز وجل -: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف: 157]، فهذا فيه ثناء ومدح للصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين. والنصوص الواردة في تزكية الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين كثيرة جداً، وهذا باب واسع يحتمل كلاماً أوسع من هذا، لكن نقتصر في آخر هذه الجزئية على قول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيء"، وخلاصة الكلام في هذه القضية: أنه كما أن الإسلام قاض وحاكم ومهيمن على سائر الأديان فإن منهج الصحابة رضي الله تعالى عنهم قاض ومهيمن وحاكم على فرق الإسلام، وكما أن الإسلام وسط بين الأديان فإن أهل السنة هم الوسط بين الفرق الإسلامية، والنجاة: هي بالاقتداء بالصحابة في كل أمور الدين، ابتداء بأعلى شعب الإيمان (لا إله إلا الله) وانتهاء إلى إماطة الأذى عن الطريق.
افتراق الأمة:
سبب الخلاف الموجود في الأمة:
الاقتصار على حسن النية في التمسك بطريق، بدون أن يكون الإنسان واثقاً من أن طريقه هو طريق الفرقة الناجية، هذا من تلبيس الشيطان، وكل الفرق الموجودة الآن متفقون على أمرين، ومختلفون على أمر واحد، متفقون على حسن النية والغاية وهي: أن ينصروا الإسلام، ولكنهم مختلفون في الطريق التي توصل إلى نصرة هذا الدين؛ فحري بنا أن نتبصر وأن نعي الطريق الذي نسلكه، خاصة أنه مما يحير الإنسان أنهم جميعاً يرفعون شعار الكتاب والسنة، فلماذا الاختلاف؟! والجواب واضح مما تقدم من الكلام على الانحراف في باب المنهج أو العقيدة أو الأصول، وقد كان الانحراف يعامل بمنتهى الشدة من النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح، مع أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يلين مع أهل المعاصي كقصة الشاب الذي استأذنه في الزنا، وكذلك قصة الرجل الذي قبل المرأة ونال منها دون فرجها ثم سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فنزل قوله - تعالى -: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود: 114] وكذلك أيضاً قصة أبي محجن الثقفي، والمواقف الشرعية مع أهل المعاصي فيها لين ورفق، أما أهل البدع فقد اشتد عليهم موقف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأدل دليل على ذلك هو هذا الحديث الذي ذكرنا آنفاً: ((كلها في النار إلا واحدة))، وكذلك قصة الرهط الثلاثة الذين قال النبي - عليه السلام - في شأنهم: ((فمن رغب عني سنتي فليس مني))، فهذا منتهى الشدة، وكذلك شدته على الذين أصروا على الوصال في الصيام، ولو سكتنا عن الانحراف في قضايا الأصول والعقيدة للزم من ذلك أن نخطئ علي بن أبي طالب رضي الله - تعالى -عنه عندما قتل الخوارج، إذاً: ينبغي أن نستحضر -ونحن نطرق هذا البحث وهذا السبيل- أننا نريد النجاة لأنفسنا، لا تؤملوا أن يرضى الناس عنكم؛ لأن إرضاء الناس غاية لا تدرك، وإرضاء الله - سبحانه وتعالى - ينبغي أن يكون هو الهدف الوحيد؛ لأن إرضاء الله مقدور ومأمور، وإرضاء الناس ليس بمقدور ولا مأمور، إرضاء الله - سبحانه وتعالى - داخل في قدرة العبد؛ لأن الله يقول: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، وكما أنه مقدور فهو مأمور به، قال - تعالى -: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران: 102]، وقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا) [آل عمران: 103]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((فعليكم بسنتي))، أما إرضاء الناس فهو غير مقدور؛ لأن الفرقة أمر كوني قدري كسائر الشرور التي خلقها الله - سبحانه وتعالى - ولا يرضاها، يقول- تبارك وتعالى -: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) [هود: 118-119] إذاً: الافتراق سنة كونية، وجاء في وصف النبي - عليه السلام - في التوراة (ومحمد فرق بين الناس).
المراد بالأمة في حديث الافتراق:
قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: ((وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة))، لا يمكن أن يقال: إن (أمتي) هنا هي أمة الدعوة، فأمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - على قسمين: أمة الدعوة التي يوجه إليها الدعوة إلى الإسلام، ويدخل فيها اليهود والنصارى، وكل من على وجه الأرض من يوم بعث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهذه كلها أمة محمد بمعنى أنها أمة الدعوة، فمن أجابه ودخل في الإسلام فهو من أمة الإجابة. وأمة الإجابة تنقسم إلى فريقين: الفرق النارية وأهل السنة والجماعة، فالفرق النارية التي توعدها النبي - عليه الصلاة والسلام - بالهلاك في النار، والفرقة الناجية هي فرقة واحدة وهي: أهل السنة والجماعة.
المقصود بافتراق الأمة:
الافتراق هنا هو الافتراق في أصول الدين، وليس في فروع الدين، إلا إذا تكاثرت المخالفات في الفروع حتى ترتب عليها من هجر الأدلة ما يترتب على الأصل المتبع الذي يتحاكم إليه، إذاً: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((تفترق أمتي)) المراد الافتراق على أساس أصول الدين، وهذا ملاحظ، فالخوارج والشيعة والقدرية والجهمية والجبرية والمرجئة كل هذه الفرق الضالة إنما خالفت في الأصول أساساً.
لا يقطع لمن انتمى إلى السنة بجنة ولا نار:
هنا تنبيه مهم جداً وهو: أننا حين نقول: إن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية وأهل الجنة، فهذا من حيث الأنواع لا من حيث الأعيان، فإنه لا يقطع لمن ينتمي إلى أهل السنة والجماعة بالجنة إلا إذا دل عليه الوحي، وكذلك لا يقطع لمن خالفهم أنه في النار إلا إذا دل الوحي على ذلك، فنحن نتناول هنا الأنواع وليس الأعيان، فباختصار: هذا هو المعنى الكامن وراء تسمية أهل السنة والجماعة بالفرقة الناجية، فحري بالمسلم العاقل ألا يهدأ له بال، ولا يكتحل بنوم، ولا يهنأ بطعام ولا شراب، حتى يتيقن أنه من هذه الفرقة الناجية.
الحكمة الكونية من هذا الافتراق:
قد يرد سؤال: ما الحكمة من هذا الافتراق؟ كثير من الناس يتناولون الموضوع بطريقة عاطفية، ويتألمون لافتراق المسلمين وتمزقهم، ويقولون: هلا جعل الله - سبحانه وتعالى - الأمة فرقة واحدة ناجية وتدخل في الجنة؟ نقول: إن الافتراق هذا شر من الشرور، وهو أمر كوني قدري أوجده الله لحكمة، فالأمور الكونية القدرية قد يوجد منها أشياء يبغضها الله ويكرهها، لكن يشاؤها - سبحانه وتعالى - قدراً وكوناً لحكم عظيمة تترتب على ذلك، فالافتراق أمرٌ كوني قدري لكننا أمرنا شرعاً بعلاج هذا الخلاف، والدليل قوله - تعالى -: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود: 118-119]، ولا يزالون مختلفين كما اختلف الناس من أهل الكفر إلى يهود ونصارى، كذلك أهل الإسلام قدر الله وقضى بهذه الفرقة لحكم عظيمة، ولما يترتب على هذا من ألوان العبودية والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فنحن خلقنا للابتلاء، فلا يجوز أن نقول: نقترح على الله - سبحانه وتعالى - أن يجعل المسلمين فرقة واحدة كي لا يتمزق المسلمون وتذهب شوكتهم؟! كل هذا من حكمة الله - سبحانه وتعالى -، ونحن خلقنا للابتلاء: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ) [الإنسان: 2]، وقال - تعالى -: (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الكهف: 7]، وقال: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35]، وقال: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت: 2]، فخلق الله - سبحانه وتعالى - نعيم الدنيا لينبهنا إلى نعيم الجنة، وخلط هذا النعيم بالمنغصات لندرك أن الدنيا ليست دار الجزاء ولا دار النعيم، وخلق النار في الدنيا تذكرة ومتاعاً للمقوين، نستدفئ بها ولنتذكر بها نار الآخرة، ونحن الآن في دار الابتلاء، وفي لجنة الامتحان، فالامتحان منعقد، وعواقب أعمالنا محجوبة عنا، ولا تنكشف إلا في الدار الآخرة التي هي دار ظهور النتائج، ومع ذلك زودنا الله - سبحانه وتعالى - بأسباب النجاة والنجاح والفوز العظيم، وأوضح لنا السبيل الذي يوصلنا إلى الجنة دار القرار، وأخذ منا الميثاق حين استخرجنا من صلب آدم - عليه السلام -، وفطرنا على التوحيد الخالص، ومنحنا العقول والأسماع والأبصار لنهتدي بها، ومع كل هذا تضمن وتكفل أنه لا يعذب أحداً حتى تقام عليه الحجة الرسالية، والشيطان له أساليب متنوعة لجر الناس إلى النار، وابن القيم له كلام رائع في مدارج السالكين في شرح هذه العقبات السبع التي يحاول الشيطان أن يجر الناس بها إلى النار، فأعظم أمنية يتمناها الشيطان أن يوقع الإنسان في الكفر، فإن عجز ينتقل به إلى البدع، فإن عجز فإلى الكبائر، فإن عجز فإلى الصغائر، فإلى المباحات، فإلى تقديم المفضول على الفاضل، ولو سألنا أي آية في كتاب الله - عز وجل - هي أخوف؟ لوجدنا العلماء يختلفون في هذا اختلافاً كثيراً، وربما بعضهم يقول مثلاً هي قوله: (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ) [الحج: 19]، وبعضهم يقول: هي قوله - تعالى -: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ) [الرحمن: 31]، لكن قال بعض أهل العلم: أخوف آية في القرآن هي قوله - تعالى -: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 103-104]، يجتهد الرجل في العبادة ما شاء الله أن يجتهد، ثم يفاجأ في يوم القيامة بأنه ليس فقط خاسراً لكنه من الأخسرين أعمالاً، بصيغة (أفعل) التفضيل! (بالأخسرين أعمالاً) فهم أشد الناس خسراناً، والله- تبارك وتعالى -قال: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً) [الغاشية: 2-4]، (عاملة ناصبة) كانت تكد وتكدح في العبادة في الدنيا، ومع ذلك انظر إلى مصيرهم في الآخرة! وكما يحرص العبد على حسن صلاته وعبادته، ويحرص على أن يتجنب الخنا والخمر؛ فلا بد أن يحرص على سلوك الصراط المستقيم، يقول - تعالى -: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف: 108]، وقال - تعالى -: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153] هؤلاء الخوارج تقرحت جباههم، وتيبست أقدامهم من شدة الاجتهاد في العبادة، ومع ذلك هم كلاب النار؛ لأنهم انحرفوا في الأصول، وكانوا من الفرق النارية.
تضعيف بعض العلماء لحديث "افتراق الأمة" والرد عليهم:
عن معاوية رضي الله تعالى عنه قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فينا فقال: ((ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة)) هذا الحديث قال فيه الحاكم بعد ما ساق أسانيده: هذه أسانيد تقوم بها الحجة في تصحيح الحديث، ووافقه الذهبي، وقال شيخ الإسلام: هو حديث صحيح مشهور، وصححه الشاطبي في الاعتصام، وبعض العلماء أشار إلى تضعيف زيادة في الحديث وهي: ((كلها هالكة إلا واحدة))، وأيضاً: ((ثنتان وسبعون في النار))، وهذا مشهور عن الشوكاني وابن الوزير وابن حزم، بل صديق حسن استحسن قول من قال: إن هذه الزيادة من دسيس الملاحدة، فإن فيها التنفير عن الإسلام، والتخويف من الدخول فيه، إذاً: بعض العلماء نظر إلى متن الحديث فاستنكره، وظن أن هذه الزيادة: ((ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة))، من دسيس الملاحدة، وإن فيها التنفير عن الإسلام، والتخويف من الدخول فيه، وهذا في الحقيقة ليس صحيحاً فمن ناحية صحة الحديث فالنقد العلمي الحديثي دل على صحة هذه الزيادة، فلا عبرة بقول من ضعفها كما بين ذلك العلامة الألباني - رحمه الله تعالى -، والذين صححوا هذا الحديث أكثر وأعلم من ابن حزم - رحمه الله تعالى -، فلا ينبغي أن يحتج بتضعيفه، فهو معروف في نقد الأحاديث إذا انفرد فكيف وقد خالفه هؤلاء الأئمة، وابن الوزير يرد الحديث من جهة المعنى لا من جهة الإسناد، فذكر أن هذا الحديث يقتضي أن الذي يدخل الجنة من هذه الأمة قليل، والنصوص الصحيحة تدل على أن الداخلين من هذه الأمة الجنة كثير يبلغون شطر أهل الجنة كما صح في الحديث، والرد على هذا من وجوه، منها: ليس معنى انقسام الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة أن يكون أكثر الأمة في النار؛ لأن أكثر الأمة عوام، وهم لم يدخلوا في تلك الفرق، وإنما هم تبع لعلماء أهل السنة، والذين افترقوا وأصلوا وقعدوا مخالفين للسنة هم قليل بالنسبة للذين جانبوا ذلك كله، أيضاً ليس كل من خالف أهل السنة في مسألة من المسائل يعد من الفرق المخالفة للسنة، بل المراد بهم الذين تبنوا أصولاً تجعلهم فرقة مستقلة بنفسها، وتركوا بسبب هذه الأصول كثيراً من نصوص الكتاب والسنة كالخوارج والمعتزلة والرافضة، أما الذين يتبنون الكتاب والسنة، ولا يحيدون عنهما، فإنهم إذا خالفوا في مسألة من المسائل لا يعدون بذلك فرقة من الفرق. بعض الفرق يصل ضلالها إلى حد الكفر، فهؤلاء يكونون خالدين في النار كغلاة الباطنية الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، كالإسماعيلية والدروز والنصيرية ونحوهم، ومن هذه الفرق من خالف أهل السنة في مسائل كبيرة عظيمة لكنها لا تصل إلى الكفر، فهؤلاء ليس لهم وعد مطلق بدخول الجنة، وإنما يكونون تحت المشيئة، إن شاء الله عذبهم، وإن شاء غفر لهم، وقد تكون لبعضهم أعمال صالحة عظيمة تنجيه من النار، فالفعل الذي يستحق صاحبه النار مشروط بحصول شروط وانتفاء موانع، وربما ينجون من النار بشفاعة الشافعين، وقد يدخلون النار فيمكثون فيها ما شاء الله أن يمكثوا، ثم يخرجون منها بشفاعة الشافعين، ورحمة أرحم الراحمين - عز وجل -، وهذه إجابة عابرة وسريعة على هذه الشبهة.
فضل السلفيين على الأمة الإسلامية:
مما يلفت النظر أن ماسنيون المستشرق الفرنسي الشهير الذي كان تابعاً لوزارة الخارجية الفرنسية أخذ تعريفاً عن الحركة السلفية بواسطة الإمام عبد الحميد بن باديس مؤسس جمعية العلماء في الجزائر، ثم حذر قومه في فرنسا مما سماه بحركة السلفيين المتشددين، وما هي في حقيقتها إلا انتفاضة إسلامية تبغي التخلص من نار الاستعمار الغربي، فلا شك أنه كان لهذه الحركة دور مشرف في المحافظة على أصالة الأمة الإسلامية؛ لأن المؤامرة كانت في الجزائر موجهة نحو الانتماء الإسلامي للجزائر، ونحو طمس اللغة العربية، فتصدت لذلك هذه الحركة السلفية، وحافظت على هذه الهوية حتى لا تتميع أو تهتز تحت ضربات الغزو الأجنبي، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي ظهر فيها السلفيون بهذا المظهر، فقد قاموا بالدفاع عن الإسلام أيام الاشتباك العقلي مع خصوم الإسلام حينما نقل الفكر الغربي واليوناني، فانتقده السلفيون، ورفضوا هذا المنهج، وكان الأمر واضحاً في الدوائر السلفية أكثر من غيرهم، ومن فضل الدعوة السلفية: المحافظة على التوحيد في جوهره النقي، فمنعت السلفية في كل العصور تردي العقيدة الدينية إلى صورة من صور الوثنية، كما هو معلوم ومشاهد، ومفهوم السلفية -كمنهج في الإسلام- لا يعني جيلاً أو أجيالاً مضت كما يزعم بعض الكتاب ممن كتب عنهم، حيث زعم أن السلفية فترة زمنية محددة، وليست مذهباً بعينه، وهذا الكلام ممن لا يفقه معنى السلفية، فالسلفية ليس فيها بعد زمني، ولا تقتصر على جيل أو أجيال مضت، وإنما تتسع دائرة السلفية لتشمل الحاضر والمستقبل أيضاً؛ لأنها لا تتعلق بالعصور والزمن، ولكن باتباع الطريقة الواحدة الثابتة...
فضائل أهل الحديث:
الألقاب التي تدعى بها السلفية ويعبر بها عنها: أهل السنة، الجماعة، أو أهل السنة والجماعة، أهل الحديث، الطائفة المنصورة، الفرقة الناجية.
أما بالنسبة لفضائل أصحاب الحديث ففضائلهم كثيرة، ومن أعظم هذه الفضائل قوله - تعالى -: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) [الإسراء: 71]، وليس لأصحاب الحديث إمام سوى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة)) رجح كثير من العلماء أن هذه الطائفة هم أصحاب الحديث، يقول الإمام أحمد: إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم، والنبي - عليه السلام - لما سئل عن الفرقة الناجية قال: ((ما أنا عليه وأصحابي))، فإذا كانت النجاة بمعرفة ما كان عليه هو وأصحابه فلا بد من معرفة ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ لأن طريق معرفة حال الرسول وأصحابه إما بالمشاهدة، فيلزم أن يكون الإنسان صحابياً أو تابعياً بعد وفاة النبي - عليه السلام -، وإما بطريق النقل، فكما أننا نرجع في معرفة اللغة إلى أهل اللغة، ونرجع في النحو إلى أهل النحو، كذلك نرجع في معرفة ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى أهل الحديث والنقل، قال النبي - عليه السلام -: ((وألا ننازع الأمر أهله))، وأولى الناس بمعرفة ما كان عليه النبي - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه أهل الحديث قطعاً...
كلام الخطيب البغدادي في مدح أهل الحديث:
وحتى لا نطيل في هذه الجزئية نكتفي بسرد عبارات للإمام أبي بكر الخطيب البغدادي - رحمه الله تعالى - وهو يتكلم عن فضائل أصحاب الحديث يقول: وقد جعل الله - تعالى -أهله -يعني أهل الحديث- أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته، والواسطة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته، أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة، وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه أو تستحسن رأياً تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث؛ فإن الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم، والرسول قدوتهم، وإليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء، يقبل منهم ما رووا عن الرسول، وهم المأمونون عليه والعدول، حفظة الدين وخزنته، وأوعية العلم وحملته، إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع، فما حكموا به فهو المقبول المسموع، منهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهدٍ في قبيلة، ومخصوصٍ بفضيلة، وقارئ متقن، وخطيب محسن، وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم سبيل المتقين، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر، من كادهم قصمه الله، ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر إليهم بالسوء حسير، وإن الله على نصرهم لقدير، ثم يقول: فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين، وصرف عنهم كيد المعاندين؛ لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين، فشأنهم حفظ الآثار، وقطع المفاوز والقفار، وركوب البراري والبحار؛ في اقتباس ما شرع الرسول المصطفى، لا يعرجون عنه إلى رأي ولا هوى، قبلوا شريعته قولاً وفعلاً، وحرسوا سنته حفظاً ونقلاً، حتى ثبتوا بذلك أصلها، وكانوا أحق بها وأهلها، وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله - تعالى -يذب بأصحاب الحديث عنها، فهم الحفاظ لأركانها، والقوامون بأمرها وشأنها، إذا صدف عن الدفاع عنها فهم دونها يناضلون، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون.
هذه نبذة من فضائل أصحاب الحديث، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت أطول من هذا.
ألقاب أهل الحديث ومصطلحاتهم:
من الأمور المهمة أن مصطلح السلفية مصطلح نوعي بمعنى: أن كلمة (سلفي) هي عبارة عن عنوان لطائفة كبيرة لها من الصفات والمواقف التي يعبر عنها بكلمة (السلفي)، فكلمة (سلفي) يفترض أنها تعني كثيراً جداً من المعاني التي تتحقق في صاحبها، ومواقف الشخص الذي يتبناها، فالسلفي لا يتصور أبداً أن يوالي الشيعة أو الروافض أو يلبس عليه هذا الأمر؛ لأنه على بصيرة من دينه، والفرقة الناجية هم من كان على مثل ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فإذا كانت النجاة باتباع الصحابة فكيف يتصور أن يجتمع في قلب مؤمن حب الصحابة مع حب من يلعنون الصحابة ويكفرونهم ويجعلون الاشتغال بلعن أبي بكر و عمر أفضل من التسبيح والحوقلة والتهليل... إلى غير ذلك من فضائح الروافض؟! إذاً: كلمة (سلفي) تدل أن صاحبها ليس شيعياً، وليس خارجياً يكفر المسلمين بالمعاصي مثلاً، وليس قدرياً، وليس جهمياً، وليس جبرياً، كلها عبارة عن صفات سلب وإثبات، تثبت له مواقف محددة في قضايا محددة، فلا يكون الإنسان سلفياً إلا إذا تبنى كل هذه الأصول والقواعد بحذافيرها، ولا يشذ في شيء منها خاصة فيما يتعلق بالعقيدة وأصول الدين.
إذاً: كلمة (السلفية) مصطلح نوعي يعكس كثيراً جداً من الصفات والمواقف التي لا بد أن يتبناها هذا الإنسان، ومن لم يتحل بهذه الصفات الإيجابية، ويتخل عن هذه الصفات السلبية؛ فلا يستحق أن يكون سلفياً. هناك ألقاب كثيرة لأهل السنة والجماعة، وأشهرها (السلفية)، وهذا المصطلح لم يكن شائعاً في الصدر الأول، حتى نفس مصطلح أهل السنة والجماعة -بنفس الحروف- لم يكن موجوداً في عهد السلف الأول كما سنبين، وإن كان معناه صحيحاً وموجوداً، وكلمة (أهل السنة والجماعة) لقب شريف تتنازعه ثلاث طوائف: أولاً: أهل الحديث أو السلفيون أو الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة.. إلى آخره، ثانياً: الأشاعرة، ثالثاً: الماتريدية، وفي الحقيقة أن الأشاعرة والماتريدية -عند الفحص والتمحيص- لا يستحقون هذا الوصف، فنحن مطالبون بأن ننزع عنهم هذا الوصف الشريف، ونخرجهم عنه ليعود لمن هم أحق به وأهله، وبعض الناس -اعتزازاً بهذا المنهج- يتلقبون بلقب أهل السنة والجماعة، وهذا المنهج لا ينبغي أن يكون مقصوراً على طائفة معينة تماماً كوصف السلفيين، ولذلك أنا ضد عبارة (السلفيين) أو أي عبارة تغذي العصبية والحزبية، بل هذا المنهج يجب على كل المسلمين أن ينتموا إليه، ولا يعبر بهذا المنهج عن طائفة مبتورة من جسد الأمة، كلا، بل السلفية هي قلب الأمة النابض، إذاً: أهل السنة والجماعة لقب لا ينبغي لأحد أن يحتكره؛ لأنه إذا احتكرته طائفة من الناس فبالتالي يترتب على ذلك أن أخطاءهم سيتحملها المنهج نفسه، وهم كبشر سيسلكون مسالك معينة أو يخطئون في قضايا معينة يترتب عليها أمور، ويحدث تولد حساسية عند الناس من هذا الاسم تماماً كما هو حاصل نتيجة أخطاء بعض السلفيين، فينبغي أن يكون المنهج فوق الجميع، ولا يحتكره أحد أبداً للمعاني التي ذكرناها...
فضائل السلفية:
من الأمور المهمة أن مصطلح السلفية مصطلح نوعي بمعنى: أن كلمة (سلفي) هي عبارة عن عنوان لطائفة كبيرة لها من الصفات والمواقف التي يعبر عنها بكلمة (السلفي)، فكلمة (سلفي) يفترض أنها تعني كثيراً جداً من المعاني التي تتحقق في صاحبها، ومواقف الشخص الذي يتبناها، فالسلفي لا يتصور أبداً أن يوالي الشيعة أو الروافض أو يلبس عليه هذا الأمر؛ لأنه على بصيرة من دينه، والفرقة الناجية هم من كان على مثل ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فإذا كانت النجاة باتباع الصحابة فكيف يتصور أن يجتمع في قلب مؤمن حب الصحابة مع حب من يلعنون الصحابة ويكفرونهم ويجعلون الاشتغال بلعن أبي بكر وعمر أفضل من التسبيح والحوقلة والتهليل... إلى غير ذلك من فضائح الروافض؟! إذاً: كلمة (سلفي) تدل أن صاحبها ليس شيعياً، وليس خارجياً يكفر المسلمين بالمعاصي مثلاً، وليس قدرياً، وليس جهمياً، وليس جبرياً، كلها عبارة عن صفات سلب وإثبات، تثبت له مواقف محددة في قضايا محددة، فلا يكون الإنسان سلفياً إلا إذا تبنى كل هذه الأصول والقواعد بحذافيرها، ولا يشذ في شيء منها خاصة فيما يتعلق بالعقيدة وأصول الدين، إذاً: كلمة (السلفية) مصطلح نوعي يعكس كثيراً جداً من الصفات والمواقف التي لا بد أن يتبناها هذا الإنسان، ومن لم يتحل بهذه الصفات الإيجابية، ويتخل عن هذه الصفات السلبية؛ فلا يستحق أن يكون سلفياً. هناك ألقاب كثيرة لأهل السنة والجماعة، وأشهرها (السلفية)، وهذا المصطلح لم يكن شائعاً في الصدر الأول، حتى نفس مصطلح أهل السنة والجماعة -بنفس الحروف- لم يكن موجوداً في عهد السلف الأول كما سنبين، وإن كان معناه صحيحاً وموجوداً. وكلمة (أهل السنة والجماعة) لقب شريف تتنازعه ثلاث طوائف: أولاً: أهل الحديث أو السلفيون أو الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة.. إلى آخره، ثانياً: الأشاعرة، ثالثاً: الماتريدية، وفي الحقيقة أن الأشاعرة والماتريدية -عند الفحص والتمحيص- لا يستحقون هذا الوصف، فنحن مطالبون بأن ننزع عنهم هذا الوصف الشريف، ونخرجهم عنه ليعود لمن هم أحق به وأهله، وبعض الناس -اعتزازاً بهذا المنهج- يتلقبون بلقب أهل السنة وال