أبوأنس
عدد المساهمات : 306 تاريخ التسجيل : 14/07/2010
| موضوع: كيف تكون المحبة إذاً؟! الخميس يوليو 22, 2010 12:55 am | |
| الخطبة الأولى: الحمد لله الذي منَّ على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، أحمده - تعالى -وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأثني عليه الخير كله، اللهم لك الحمد كله، ولك الخلق كله، ولك الأمر كله، وإليك يرجع الأمر كله، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد ببعثة خير الأنام، ولك الحمد بالمال والأهل والمعافاة، ولك الحمد على كل حال. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل رسوله للعالمين فضلاً منه ورحمة، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، هدى به من الضلالة، وبصَّر به بعد الغواية، فتح الله به قلوباً غلفاً، وأعيناً عمياً، وآذاناً صماً، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الإخوة المسلمون: اتقوا الله تبارك وتعالى؛ اتقوه تفوزوا وتفلحوا، واتبعوا سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - تهتدوا، واقتفوا أثره وبنهجه تمسَّكوا توفقوا. أيها الإخوة في الله: يا أحباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! السيرة العطرة؛ سيرة خير البرية عليه من الله أفضل صلاة وأزكى تحية بما فيها من شمائل نبوية، ومعجزات محمدية، ووقائع مصطفوية، كلها معين ثر، وينبوع صاف متدفق يرتوي من معينة كل من أراد السلامة من لوثات الوثنية، والنجاة من أكدار الجاهلية، بل هي الشمس الساطعة، والسنا المشرق، والمشعل الوضاء، والنور المتلألئ الذي يبدد ظلمات الانحرافات العقدية والسلوكية والاجتماعية وغيرها، وإن حاجة الأمة إلى معرفة سيرة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، والاقتباس من مشكاة النبوة فوق كل حاجة، بل إن ضرورتها إلى ذلك فوق كل ضرورة، فكل من يرجو الله واليوم الآخر يجعل الرسول قدوته، والمصطفى - صلى الله عليه وسلم - أسوته؛ كما قال - عز وجل -: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب: 21]. لقد ولد - عليه الصلاة والسلام - في تلك الربى والبطاح، وكانت ولادته إيذاناً ببزوغ فجر الحق وغروب شمس الباطل، وبُعث من تلك البقاع، وكانت بعثته انطلاقةً لأعظم حضارة عرفها التاريخ قال - تعالى -: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107] حضارة أسعدت البشرية، وحررت الإنسانية من قيود الشرك والذل والوثنية؛ إلى ساحة الإيمان والعلم والحرية، زلزلت كيان الظلم والجاهلية، وحطمت عروش القياصرة، ودكت حصون الأكاسرة. لقد نشأ - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحمى، وحفظه الله من أرجاس الوثنية ولوثات الجاهلية، ولقد قام - صلى الله عليه وسلم - بتبليغ دعوة ربه كما أمره الله، وكم أوذي في الله فصبر حتى تحقق له ولأمته العز والنصر والتمكين. جبله الله على أحسن الأخلاق والشمائل، وخصه بأزكى السجايا والفضائل، وحسبنا في ذلك ثناء ربنا عليه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: 4]، تقول خديجة - رضي الله عنها -: "كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق". هاجر - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ورفع راية الجهاد لإعلاء كلمة الله، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وبعد أن بلغ البلاغ المبين لحق - عليه الصلاة والسلام - بالرفيق الأعلى قرير العين بجنة الله ورضوانه، عليه من الله أفضل الصلاة والسلام دائماً وأبداً إلى يوم الدين. فيا عباد الله: هذه ملامح من السيرة العطرة لرسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -؛ يجب أن يتذكرها المسلمون في كل حين، وأن يجددوا العهد بها في كل أوان إلى الدوام. إن أهل الإيمان الحق يستمدون من الهدي كل أمورهم، فلا تستوي الأمور وتستقيم السبيل إلا بذلك، فبهديه - عليه الصلاة والسلام - يهتدون، وعلى ضوء سنته يسيرون، ومن معين نبوته يرتوون، ولأعلام هدايته يحملون، وتحت لوائها يجاهدون، أسقطوا الرايات المشبوهة، ودحضوا الشعارات الزائفة، ولم يبقوا إلا شعار التوحيد لله، والمتابعة لرسوله - عليه الصلاة والسلام -، عليه يحيون وعليه يموتون، وفي سبيله يكافحون، ومن أجله يوالون ويعادون، ويعطون ويمنعون، وعليه يلقون الله رب العالمين. إخوة الإيمان: لم تكن حاجة الأمة في عصر ما إلى معرفة السيرة العطرة، معرفة اهتداء واقتداء؛ أشد إليها من هذا العصر الذي تقاذفت فيه الأمةَ أمواج الفتن، وتشابكت فيه حلقات المحن، وغلبت فيه الأهواء، واستحكمت فيه الزعوم والآراء، وواجهت فيه الأمة ألواناً من التصدي السافر، والتحدي الماكر، والتآمر الرهيب من قبل أعداء الإسلام على اختلاف مللهم ونحلهم، يتولى كبر ذلك من لعنهم الله وغضب عليهم، وجعل منهم القردة والخنازير، وعبدة الطاغوت؛ من اليهود الصهاينة، ويوالي مسيرتهم عبدة الصليب، ودعاة التثليث، ويشد أزرهم المفتونون بهم المتأثرون بصديد أفكارهم، وقيح ثقافاتهم، من أهل العلمنة ودعاة التغريب، ويزداد الأسى حين يجهل كثير من أهل الإسلام حقائق دينهم وجوهر عقيدتهم، ويسيرون مع التيارات الجارفة دون تمحيص وتحقيق، أو يجمدون على موروثات مبتدعة دون تجلية ولا تدقيق، وحينما يُضرب المثل في ذلك على نظرة كثير من أهل الإسلام للسيرة المباركة فإنك تجد العجب العجاب! ففئات تغلو في الجناب المحمدي وترفعه إلى المقام الإلهي، وفئات تجفو وتعرض. فمن الناس من نظر إلى السيرة النبوية على أنها قصص تتلى، وفصول تسرد، دون متابعة واقتداء، فلا تحرك مشاعراً وقلوباً، ولا تثير مشاعراً وهمماً، وأبو القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي فوق كونه عظيماً من عظماء التاريخ؛ فإن شرف النبوة وتاج الرسالة هو الذي يحسن له المحبة والاتباع، وإن ارتباطنا برسولنا وحبيبنا - صلى الله عليه وسلم -، وسيرته العطرة؛ ليست ارتباط أوقات ومناسبات، ولا حديث معجزات وذكريات، بل إنه ارتباط وثيق في كل الظروف وعلى جميع الشئون وأحوال الحياة إلى الممات. وشخصية الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ليست شخصية مغمورة، ولا في ثنايا التاريخ مطمورة، تبرز حيناً وتطوى حيناً، حاشاه - عليه الصلاة والسلام - بأبي هو وأمي، بل إن ذكره يملأ الأفاق، والشهادة برسالته تدوي عبر المآذن والمنابر، وتنطلق عبر الحناجر والمنائر، والمسلم الذي لا يعيش الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ضميره، ولا تتبعه بصيرته في عمله وتفكيره في كل لحظة من لحظاته؛ لا يغني عنه أبداً التغني بسيرته، ولا صياغة النعوت في مدائحه، وليس هناك أعلى من مدح ربه - جل وعلا - له وثنائه عليه، فقد رفع ذكره، وأعلى في العالمين قدره، وشرح صدره، ووضع وزره، وما جنح بعض المسلمين إلى مثل هذا اللون في الإفصاح عن تعلقهم بنبيهم إلا يوم أن أعياهم القيام بالعمل، وتركت نفوسهم العزمات، واستسلموا للتواني والكسل، فالجهد الذي يتطلب العزائم هو الاستمساك والاقتداء، فبدلاً من التغني والترنم ينهض المسلم الجاد إلى تقويم نفسه، وإصلاح شأنه حتى يحقق الاقتداء برسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحتى يترجم تلك الدعاوى إلى واقع عملي في كل شأن من شئونه، في معاشه ومعاده، وفي حربه وسلمه، وفي علمه وعمله، وفي عباداته ومعاملاته. وإن تحويل الإسلام والحب لرسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم- إلى هز للرءوس وتضخيم للعمائم، وإطالة للشبه يصاحب ذلك هوهوات وتمتمات، وشنشنات وهمهمات، وتعلق بأذكار وتسابيح، وتمسك بمدائح وتواشيح؛ لشيء عجيب يحار العقل في قبوله، والأدهى من ذلك أن تكون هذه الأمور معايير لصدق المحبة وعدمها، ومقاييس يرمى كل من تركها واستبان عورها بتنقصه للحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وتلك شنشنة معروفة من أخزم، فحبُّ رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في شغاف قلوبنا، ولا يغيب حبه إلا من قلب منافق جحود. ومن الأسف أن أعداء الملة تمكنوا في غفلة من المصلحين أن يصدِّعوا بناءه وينقضوا أركانه، فكيف يا أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - يترك ميراث النبوة نهباً للعوادي؟ وكيف يقع التبديل والتغيير في دين الله في غفلة وسكون؟ وكيف يمهد للجاهلية الأولى أن تعود من جديد؟ ألا فليفقه المسلمون سيرة رسولهم - صلى الله عليه وسلم - فقهاً مؤصلاً بالدليل والبرهان قبل أن تأخذ بهم السبل الملتوية؛ فتطوح بهم بعيداً عن الجادة، (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) أمة الإسلام: لقد جربت الأمة هذه المظاهر بعد انحسار القرون الثلاثة المفضلة فلم تجد شيئاً، لم تعُد عزة، ولم تورث منعة، ولم تؤصل مجداً، ولم تخلف تاريخاً، ولم ترجع مقدسات، ولم تعِد مقدرات، وإذا كانت الأمة في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها تتحدث عن سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فكيف يطيب الحديث؟ وكيف يحلو الكلام ومقدسات المسلمين يعيث فيها أعداء الإسلام والمسلمين من اليهود الأخباث؟ وهاهم يصعدون عدوانهم ويزيدون إذكاء ذلك إذكاءً للفتنة، ويتحدون مشاعر المسلمين بكل وقاحة! كيف يجمل الحديث عن السيرة والذكريات وأعداء المسلمين من الصرب النصارى المعتدين الحاقدين؛ يصرون على صلفهم وعدوانهم ضد إخواننا وأعراضنا ومساجدنا في جمهورية البوسنة والهرسك، كيف يحلو الكلام والهندوس الوثنيون يمعنون في حقدهم السافر ضد مشاعر المسلمين على ثرى كشمير؟ وما أدراك ما أنباء الشيشان و الصومال وغيرها من البقاع! كيف وكيف؟! وقضايا المسلمين معلقة، وأوضاع الأمة متردية، والنظام العالمي وهيئات الأمم متخاذلة، ولا حولا ولا قوة إلا بالله، إن لله وإنا إليه راجعون!. إخوة العقيدة: أمة الإسلام! أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -! إننا بحاجة إلى تجديد المسار، وتصحيح المواقف، والوقوف طويلاً للمحاسبة والمراجعة، نريد من مطالعة السيرة ما يزيد الإيمان، ويزكي الأخلاق، ويقوم المسيرة. يخطئ كثيرون حينما ينظرون إلى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وسيرته كما ينظر الآخرون إلى عظمائهم في نواحي ضيقة محدودة بعلم أو حنكة أو عبقرية، فرسولنا وحبيبنا - صلى الله عليه وسلم - قد جمع نواحي العظمة الإنسانية كلها في ذاته وشمائله وجميع أموره، لكنه مع ذلك ليس رباً فيقصد، ولا إلهاً فيعبد، وإنما هو نبي يطاع ويتبع، هو مِنَّة الله على هذه الأمة. إن من المؤسف حقاً أن بعض أهل الإسلام هداهم الله لم يقدروا رسولهم - صلى الله عليه وسلم - قدره، وهم يتوجهون إليه بالحب والتعظيم؛ ذلك أنه حب سلبي لا صدى له في واقع الحياة، ولا أثر له في السلوك والتطبيق. انظر إليه - عليه الصلاة والسلام - في مجاري الأخلاق؛ تجده مثال الكمال في رقة القلب، وسماحة اليد وكف الأذى وبذل الندى، وعفة الضمير واستقامة السيرة وسلامة السريرة، وانظر إليه في كل جوانب حياته، في جهاده ومعاملاته، تلك لعمر الحق عراقة الخلال وكريم الشمائل، فهل من يتغنون اليوم بسيرته يقتفون أثره ويلتزمون هديه؟. إن حقاً على أهل الإسلام وهم المؤتمنون على ميراث النبوة أن تصقلهم الوقائع، وتربيهم التجارب، فلا تزال الفتن والخطوب مدلهمة على هذه الأمة، ومع مآسي أبنائها المتكاثرة وجراحاتها المتواترة فإن هذه الأمة أمة ثرية بعطاءاتها، والخير فيها مستمر إلى قيام الساعة، ففي خضم المعاناة مع أعداء الإسلام تبرز فلول من التفاؤل، وتظهر بوارق الآمال تجسدها صحوات عالمية، وانتفاضات إسلامية، وتوجهات خيرية؛ تنشد الإسلام بأصوله الصحيحة، وحقائقه الناصعة، ولقد ثبت لذوي البصائر أن رفع راية الجهاد في سبيل الله وإعلان التضحية والاستشهاد في سبيل نصرة الحق؛ هو الطريق الأوحد لإعلاء كلمة الله، وإعزاز أهل هذا الدين، وإن النزاع مع الأعداء المتسافرين نزاع عقيدة وهوية ومصير، وإن المقدسات لن تحرر برايات إقليمية، ولا شعارات طائفية، ولا مظاهر وشكليات، وذكريات واحتفالات، وإنما بشعار الإسلام، والإسلام وحده على ضوء الكتاب والسنة: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21]. (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 128-129]. نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبسنة سيد المرسلين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله الذي أرسله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، وتعظيماً لشأنه وتمجيداً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مجيداً. أما بعد: عباد الله: اتقوا الله (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281]. عباد الله: رووا قلوبكم وأرواحكم من سيرة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، واربطوا أنفسكم وناشئتكم وأسركم بها رباطاً محكماً وثيقاً؛ يسمو عن التخصيص في أوقات، والتذكير في مناسبات. إخوة الإسلام: يا أحباب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! إن محبة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - دين يدين لله به كل مسلم، بل لا يتم إسلامه إلا بمحبة الحبيب محمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام -، وفي الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين))، غير أن المحبة لا تكون باللسان والادعاء؛ وإنما بالتطبيق والمتابعة وصدق الانتماء: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 31-32]، وحسبك بالزيادة أنها افتيات على الشارع الحكيم، ومخالفة للنبي الكريم، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، ويقول الإمام مالك - رحمه الله -: "من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - خان الرسالة؛ لأن الله - عز وجل - يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) [المائدة: 3] فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً، ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها". فاحرصوا -رحمكم الله- على اتباع السنة واقتفاء آثار سلف هذه الأمة، فإن الخير كل الخير في الوقوف حيث وقف السلف الصالح - رحمهم الله -، وإننا لنتساءل أين الساسة والعلماء؟. وأين أهل الفكر والتربية وأصحاب المسئوليات في بلاد المسلمين من الاستفادة من منهج النبوة؛ بالإصلاح العام، وتسخير مناصبهم ومسئولياتهم في القيام بحمل رسالة الإسلام، وأداء الأمانة والنزاهة، وخدمة البلاد والعباد؟ فالمسئوليات محنة ومنحة وتكليف وتشريف، والموفق من وفقه الله - عز وجل - فنصح لله ولعباده ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، لا سيما والأمة تواجه سيلاً جارفاً وتيارات وافدة ما جلبت للأمة إلا الشقاء والعناء، إن الموفق من تمسك بالسنن النبوي، والنهج المحمدي، وصبر على ما أصابه، والمحروم من انقطع بالنبي - صلى الله عليه وسلم - سببه، وخاب سعيه وطلبه، ولو عمل ما عمل مما ليس عليه أثارة من علم أو أمارة من برهان. فيا من يريد نجاتة! السنة، السنة! والاتباع الاتباع! والحذر من الابتداع! وإياك أخي المسلم من الاغترار بما عليه كثيرون فالحق ليس بالكثرة، وإنما بالحجة والبرهان، وإن على حملة السنة أن يوحدوا كلمتهم، ويجمعوا قلوبهم، ويحذروا من فتح جبهات داخلية، وتغليب خلافات جانبية؛ فإن التعصب للشعارات والجماعات، والنعرات الحزبية الضيقة ليس من دين الله في شيء، والحق ليس حكراً على فرد من الأمة دون آخر، ولا جماعة دون أخرى؛ ما دام أن الكل على المنهج النبوي؛ لا سيما في مجال العقيدة والاتباع، والخطأ وارد والنصح مشروع، والأذى بين الإخوة ممنوع، والمجاهرة بالردود والانشغال بها بين أصحاب المنهج الواحد يتيح الفرصة للأعداء لإحكام الوقيعة بين الأحبة. ألا ما أحوج حملة السنة اليوم إلى تنسيق جهودهم، والتلاحم مع ولاتهم وعلمائهم؛ لدرء الأخطار المحدقة بهم. فيا أمة الإسلام: ويا حملة السنة! ويا أحباب المصطفى - صلى الله عليه وسلم -! أما آن لنا أن نتنبه لأعدائنا الذين يهددوننا في ديننا ودنيانا وأخرانا؟ أما آن لنا أن نتخلى عن المعارك الوهمية، والخلافات الجانبية، والردود الكلامية، ونفرغ طاقاتنا، ونركز جهودنا، ونتلاحم مع ولاتنا وعلمائنا في السير جميعاً في طريق الخير والرشاد، والحكمة والسداد؟. ألا واعلموا عباد الله أن من أعظم ما تقربتم لنبيكم وأعربتم به عن محبة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - هو كثرة الصلاة والسلام عليه. فصلوا وسلموا -رحمكم الله- على المصطفى المختار الخيار من خيار من خيار كما أمركم بذلك العزيز الغفار؛ فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]. اللهم صلَّ وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تنصر إخواننا المسلمين المضطهدين في دينهم في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين، اللهم انصرهم في البوسنة والهرسك و الشيشان، اللهم انصرهم في كشمير وفي كل مكان يا حي يا قيوم! يا ذا الجلال والإكرام. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف بين قلوبهم، واهدهم سبل السلام، وجنبهم الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم وفقنا لما تحب و ترضى، اللهم وفق إمامنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة يا حي يا قيوم. اللهم ولّ علينا خيارنا، واكفنا شر شرارنا يا ذا الجلال والإكرام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.================================= عبدالرحمن السديس
| |
|