الدعوة إلى الله ليست في الحقيقة عملاً علمياً بحتاً، بقدر ما هي عمل اجتماعي، يتخاطب فيه الداعية مع أصناف من البشر، ومستويات من المدارك والأفهام، إضافة إلى شبكة كاملة من العلاقات الاجتماعية لها حساسياتها تجاه الكلام والخطاب والألفاظ، وهذا كله مما يوجب على الداعية المسلم الاحتفاظ بقدر عال من الذكاء والحضور الذهني، وقبل ذلك وبعده إلى قدر عال من الذوق والأدب ورهافة الحس، بالنظر إلى كونه يمثل تجسيداً فردياً للوجود الإسلامي في المجتمع.
أقول: هذا الكلام، المحرج لبعضهم، بمناسبة تكرار صدور تعبيرات وكلمات وألفاظ من بعض الدعاة، في دروسهم، أو أشرطتهم، أو على منابرهم، هي بالتأكيد مما يأباه الذوق، وينفر منه السمع، ويصدم المستمع بطلقات ثقيلة من القبح والذمامة والأذى، وصحيح أن هذا كله لا يصدر عن كبار الدعاة ورموز الدعوة المتميزين، وإنما يصدر عادة عن شباب الدعاة، والمبتدئين في هذا المجال، ولكن ذلك لا يمنعنا من الإشارة إليه والتحذير منه، لشيوعه وإسراف هؤلاء النفر في استعماله.
خذ مثلاً لذلك الحديث عن تميز المسلمين، وشمولية دين الإسلام لكل سلوكيات المسلم، وهناك نصوص كثيرة تغني في هذا الشأن، إلا أن بعض الدعاة لا يتخير أو لا يجذب حاسته سوى قول مشرك أو يهودي بذيء، موجهاً حديثه إلى أحد الصحابة: إني أرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى يعلمكم الخراءة.
يا أخي هذا قول يهودي ثائر حاقد، وبذيء، وقد سجل أهل العلم قولته من باب أمانة النقل، أما أن تصبح بذاءة اليهودي، والخراء، وحديث الخراءة والمستفاد من قصة الخراء، هي حديث المنابر وأشرطة التسجيل، فهذا أبداً لا يكون من الذوق ولا من ذكاء الدعوة ولا من أدب الداعية، ولا من رهافة الإحساس.
إن نزعة تسقط الغرائب والفرائد في الخطاب الدعوي، هي ولا شك فعل المبتدئين، وقليلي العلم والخبرة معاً، ولكننا على كل حال لابد أن ننبه كل من تصدى إلى الدعوة، إلى شرط جوهري وبسيط، وهو أن يمتلك الذوق والأدب الرفيع والرهافة، وأن يحدث الناس بما يعرفون ويحتملون، لا أن يتلمس لهم من الفرائد والنوادر ما يجرح مشاعرهم أو يصدم خواطرهم، بل عليه أن يسمو بهم في خطابه... والله المستعان.
ـــــــــــ
جمال سلطانَ