يتحدث القرآن الكريم عن أطوار النمو الإنساني في آيات متعددة، ويجعلها دليلاً قاطعاً على إعادة البعث والنشور، وقد أمر المولى - سبحانه وتعالى - بالتفكر والتدبر في قصة الخلق هذه، حيث يقول عز من قائل: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) [الطارق: 7]، ويقول - تعالى -: (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) [الذاريات: 21] كما يقول - سبحانه وتعالى - (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) [نوح: 13-14]. ثم يشرح المولى - سبحانه وتعالى - هذه الأطوار في آيات متعددة، منها قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج: 5] وقوله - تعالى -: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) [المؤمنون: 14] وإذا تركنا المرحلة الطينية فإننا نجد المراحل الجنينية تبدأ من النطفة، فالعلقة، فالمضغة، فاللحم يكسو العظام، ثم خلق آخر يتضمن التصوير والتسوية ونفخ الروح.
والنطفة لغة كل ماء قليل صافي، وقد وردت في القرآن الكريم والسنة المطهرة بثلاثة معان:
1- نطفة الرجل (الحيوان المنوي). 2- نطفة المرأة (البويضة). 3- نطفة الأمشاج (الزيجوت) التي
تتكون من اجتماع واختلاط نطفة الرجل والمرأة.
وهذا التقسيم للنطفة لم يكن معروفاً قط إلا في القرن التاسع عشر الميلادي بهذه الدقة والوضوح، كما أن القرآن أوضح أن جنس الجنين يتحدد بمشيئة الله - سبحانه وتعالى - بواسطة نطفة الرجل (الحيوان المنوي). كما تحدث القرآن الكريم عن التقدير في النطفة (أي مستوى الجينات).
وأما العلقة فهي ما يعلق ويتعلق بجدار الرحم وهي وصف دقيق وكامل ورائع لمرحلة أنغراز الكرة الجرثومية (البلاستولا) في جدار الرحم وما يتبعها من تعلقات.
أما المضغة فهي الوصف المعجز المبهر لما يعرف في علم الأجنة بمرحلة " الكتل البدنية"، التي تنقسم بذاتها لتشكل بدايات الهيكل العظمي والعضلات التي تكسو العظام.
إن هذه الحقائق المبهرة التي لم تكن البشرية تعرف عنها شيئا عند نزول القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنا من الزمان تتجلى بوضوح لنا بعد التقدم العلمي الباهر في القرن العشرين.
============================
محمد البار