العالم الإلكتروني ليس مُجرَّدا من الأخلاق والآداب التي ينبغي الالتزام بها في الحياة التقليدية، إذ إن العالم الإلكتروني تكتنفه أخلاق العالم التقليدي، إضافة إلى بعض الآداب التي فرضتها طبيعة هذا العالم الإلكتروني الجديد، ولا نحسب أن الالتزام بمضمون هذه الآداب سيكون صعبا على أي منا؛ فنحن بحكم عقيدتنا الإسلامية وأصالتنا العربية من أصحاب الخُلق الحَسَن والأدب الرفيع، ومن المؤمنين بالسلوكيات الإنسانية المهذَّبة؛ ولهذا ليس من الصعب أن نطبِّق ما نتبنّاه من أخلاق في واقع الحياة اليومية على سلوكنا في عالم الإنترنت، ومن هذا المنطلق، جاء مفهوم آداب الإنترنت (Netiquette) المشتقّ من التعبير الإنجليزي Net Etiquette (أي السلوكيات المهذبة عند استخدام الإنترنت).
* شكر النعمة:
فمن المعلوم أن الله - جل وعلا - أسبغ علينا نعما كثيرة، ولم يزل يسبغ على عباده النعم الكثيرة، وهو المستحق لأن يشكر على جميع النعم. والشكر قيد النعم، فإذا شكرت النعم اتسعت وبارك الله فيها وعظم الانتفاع بها، ومتى كفرت النعم زالت وربما نزلت العقوبات العاجلة قبل الآجلة، والإنترنت نعمة امتن الله بها علينا وهذه النعمة تستوجب شكرا، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (ما أنعم الله على عبد نعمة، فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها) (1)، ومن شكرها أيضا أن نحسن استخدامها ونجعلها وسيلة يرضى الله بها عنا، وكفر هذه النعمة يكون بإساءة استخدامها بكافة الصور التي يعرفها من يستخدمون هذه الوسيلة.
* الالتزام بعدم الإضرار بالآخرين:
وتنبثق أهمية هذا المبدأ الرفيع من الكوارث التي تسببها (الفيروسات والكراكرز) والتي يمارسها أغلبية المفسدين على أنها نوع من الدعابة واللعب وتسلية الأوقات الفارغة واستعراض المواهب التقنية، لكن مع تفهم طبيعة هذين الخطرين يتبين لكل فاضل أن هذا العمل نوع من الفساد الكبير الذي لا يرضاه الله - تعالى - ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ففيروسات الحاسب الآلي أصبحت هاجساً لكل مستخدمي الكمبيوتر وخاصة مستخدمي شبكة الانترنت التي أضحت تسبب أضراراً لا تقل عن الأضرار التي تسببها الفيروسات التي تصيب الأحياء، وفيروس الحاسب الآلي في حقيقته هو برنامج من برامج الحاسب ولكن تم تصميمه بهدف إلحاق الضرر بنظام الحاسب، وحتى يتحقق ذلك يلزم أن تكون لهذا البرنامج القدرة على ربط نفسه بالبرامج الأخرى، وكذلك القدرة على إعادة تكرار نفسه بحيث يتوالد ويتكاثر، مما يتيح له فرصة الانتشار داخل جهاز الحاسب في أكثر من مكان في الذاكرة ليدمر البرامج والبيانات الموجودة في ذاكرة الجهاز.
ومن أشهر المشاكل التي تسببها الفيروسات:
1- تباطؤ أداء الكمبيوتر، أو حدوث أخطاء غير معتادة عند تنفيذ البرامج.
2- زيادة حجم الملفات، أو زيادة زمن تحميلها إلى الذاكرة.
3- سماع نغمات موسيقية غير مألوفة.
4- ظهور رسائل، أو تأثيرات غريبة على الشاشة.
5- زيادة في زمن قراءة القرص المرن إذا كان محمياً، وكذلك ظهور رسالة FATAL I/O ERROR .
6- تغيير في تاريخ تسجيل الملفات، كما في فيروس "فيينا" الذي يكتب 62 مكان الثواني.
7- حدوث خلل في أداء لوحة المفاتيح كأن تظهر رموز مختلفة عن المفاتيح التي تم ضغطها، أو حدوث قفل في لوحة المفاتيح كما في فيروس EDV .
8- نقص في مساحة الذاكرة المتوفرة كما في فيروس "ريبر" الذي يحتل 2 كيلو بايت من على الذاكرة الرئيسة.
9- ظهور رسالة "ذاكرة غير كافية" لتحميل برنامج كان يعمل سابقاً بشكل طبيعي.
10- ظهور مساحات صغيرة على القرص كمناطق سيئة لا تصلح للتخزين كما في فيروس " PING PONG " الذي يشكل قطاعات غير صالحة للتخزين مساحتها كيلو بايت واحد.
وفي ظل تنامي استخدام الإنترنت وانتشارها كأداة من أدوات الأعمال في كل مكان، فقد بات من السهل إصابة أكبر عدد من أجهزة الكمبيوتر والشبكات بالفيروسات، ولا يعود ذلك إلى فعالية الشفرة البرمجية الخبيثة فقط، بل نتيجة لتصميم تلك الشفرة كي تنتشر بسرعة عالية، وقبل توفير العلاج اللازم لمقاومتها على شكل تحديثات ملائمة لها، وفي الوقت الذي ينتقل فيه محور عمليات المستخدم من الإنتاجية الشخصية إلى الاتصالات تتطور تبعاً لذلك أنواع خبيثة من الفيروسات ووسائل عدوى مضرة.
ففي سان فرانسيسكو أفادت شركة أبحاث مستقلة أن الخسائر التي سببها فيروس الكمبيوتر (كود ريد) الذي ضرب شبكة الانترنت بلغت ما يقرب من 6ر2 مليار دولار في جميع أنحاء العالم.
ورغم ضخامة المبلغ فهو مجرد جزء ضئيل من التكلفة الإجمالية للهجمات على نظم تشغيل الكمبيوتر، وقالت شركة كمبيوتر ايكونوميكس اوف كارلسباد ومقرها كاليفورنيا إن تكلفة هجمات فيروسات الكمبيوتر على نظم المعلومات في جميع أنحاء العالم حتى الآن تقدر بنحو 7ر10 مليار دولار مقارنة مع خسائر بلغت 1ر17 مليار دولار في عام 2000 و 1ر12 مليار دولار في عام 1999.
وقال مايكل اربشلو [نائب رئيس الأبحاث بالشركة] إذا لم تظهر فيروسات جديدة (هذا العام) فسيكون إجمالي الخسائر أقل من السابق..حوالي 15 مليار دولار.
وأضاف قائلا: إن فيروس الحب الذي ضربت خمسون نسخة مختلفة منه أكثر من 40 مليون جهاز كمبيوتر منذ ظهوره في مايو أيار 2000 هو أكثر الفيروسات تكلفة حتى الآن إذ بلغ إجمالي خسائره 7ر8 مليار دولار.
وأفاد البحث أنه إضافة إلى فيروس (كود ريد) فقد ظهرت فيروسات كبيرة أخرى في العام الحالي مثل فيروس (سيركام) الذي أصاب أكثر من 3ر2 مليون جهاز كمبيوتر وأحدث خسائر قدرها 035ر1 مليار دولار منها 460 مليون دولار أنفقت على تنظيف نظم التشغيل و575 مليون دولار تكلفة الإنتاجية المهدرة، أما (كود ريد) الذي أصاب أكثر من مليون جهاز كمبيوتر فتسبب في خسائر منها 1ر1 مليار دولار تكاليف تنظيف لنظم التشغيل و5ر1 مليار دولار تكاليف الإنتاجية المهدرة.
أما المخرِّبون الإلكترونيون الكراكرز (Crackers) فهي كلمة تحمل في الإنجليزية معنى (الكسر أو التكسير) ومعناها العام بالنسبة لموضوعنا أن (الكراكرز) كلمة تعني التخريب والعبث والتحطيم، وهي عبارة عن اسم اختاره لأنفسهم مجموعة من المخربين المهرة القادرين على اختراق أي شبكة أو أي جهاز حاسب، ويستخدمون هذه المهارة في التخريب والسرقة والحصول على الأموال بطريقة غير مشروعة، ولعلنا نذكر أن أشهر الكراكرز في العالم حتى وقتنا هذا، هو المخرب الكبير والعابث الأعظم (كيفن ميتنيك) الذي أصبح أسطورة في الكراكرز وأصبح هو مثلهم الأعلى، نظراً لمواهبه الفذة وقدرته الفائقة في السرقة واللصوصية وتدمير الأجهزة والشبكات والمواقع بشكل عام، وقد أصبح (كيفن ميتنيك) أشهر (كراكرز) بعدما نفذ أكبر عملية سرقة تاريخية إلكترونية عرفها العالم، حيث قام بسرقة حوالي أكثر من 200000 رقم لبطاقات ائتمان سنة 1995.
والإسلام كان سباقًا في محاربة الرذائل والفساد، قال - تعالى -: ولا تُفسدوا في الأرض بعد إصلاحها الأعراف: 56، كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين البقرة: 60، فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين الأعراف 74، واللهُ لا يحب الفساد البقرة: 205، ولا تطيعوا أمر المُسرِفين * الذين يُفسدون في الأرض ولا يُصلحون الشعراء 151-152، إنما جزاءُ الذين يحاربون اللهَ ورسولَه ويَسعَونَ في الأرضِ فسادًا أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَّعَ أيديهم وأرجلُهم من خِلافٍ أو يُنفَوا من الأرضِ ذلك لهم خزيٌ في الدنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيم المائدة 33، ومما يدل على عِظَمِ جُرم الإفساد في الأرض أن الحق - سبحانه - جعله بمثابة محاربته ومحاربة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كان الحق - سبحانه - لا يُحارَب ولا يُغالَب، لما هو عليه من صفات الكمال ولما وجب له من التنزيه عن الأضداد والأنداد، فإن محاربته - سبحانه - في الآية التالية مجازٌ عن محاربة عباده، فعبَّر بنفسه - سبحانه - عن عباده إكبارًا لجُرم الاعتداء عليهم، وعلى العموم إذا تأملنا الآيات التي ذكر الله فيها الإفساد رأينا أن الله - تبارك وتعالى - إذا ذكر الإفساد بهذا اللفظ نفى الإصلاح، أو ذكره معـه لنعلم أن المفسدين يُـفسدون في الأرض ولا يُصلحون وقال - صلى الله عليه وسلم - (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) (2)، فهل بعد كل هذه التوجيهات والتهديدات الربانية يطيب لمؤمن يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ورسولا أن يضر بالآخرين وهو يعلم يقينا أنه من ضر أضر الله - تعالى - به في الدنيا وله سوء الدار في الآخرة.
* الالتزام بالقانون:
فالتصرّفات المخالفة للقانون في واقع الحياة تكون غالبا مخالفة للقانون على الإنترنت، ومن أهم أوجه هذا الالتزام احترام حقوق الملكية الفكرية للناشرين على الويب؛ لأن حقوق نشر ونسخ المواد الموجودة عليها (كالصور التوضيحية والأصوات وعروض الفيديو) محفوظة ومملوكة لأصحابها، وليس من حق أحد أن يُعيد نشرها أو أن يتصرّف بها إلا بإذن مُسبَق من أصحاب تلك الحقوق.
* آداب عامة:
- لا تحجب معرفتك بالإنترنت والكمبيوتر عن الآخرين، فالعبد يُسأل يوم القيامة عن علمه من أين تعلمه وماذا عمل به.
- قبل الانخراط في النوادي والملتقيات الموجودة على الإنترنت، ينبغي عليك أولا التحقّق من توجهاتها وأفكارها ودرجة محافظتها على خصوصية أعضائها وآلية انتقائها لمصادر المعلومات التي يتم ربطها مع الأعضاء.
- من أهم المخالفات الشرعية التي تتعلق بساحات الحوار والمنتديات:
1- كتابة الأخبار المكذوبة، ونشر الشائعات المفتعلة، خاصة وأنها مبنية في الغالب على المجاهيل.
2- إيذاء المسلمين والتشهير بالمستورين منهم.
3- تنقص علماء الأمة وحُرَّاس الشريعة، ونشر زلاتهم ومثالبهم.
4- تبادل الاتهامات الجائرة، وإلقاء الكلام على عواهنه بلا بينة.
5- القول على الله بغير علم والتحدث في المسائل الشرعية والفتوى من غير المختصين.
- يجب على المسلم أن يسعى إلى ذكر الله - تعالى - إذا نودي للصلاة، فلا يشغله شيء عنها، قال الحق - سبحانه -: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ وَالأَبْصَارُ النور: 36-37 .
- من أهم الأمور لمرتاد الإنترنت أن يحمي نفسه عن وقوع عينه على الحرام، فالنظرة المحرمة سهم من سهام إبليس، يفسد بها قلب المسلم بلذة عاجلة، تعقب ندامة وحسرة آجلة، والنظر إلى ما حرم الله - تعالى - يورث ظلمة في القلب، ووحشة في الصدر، وخمولاً وكسلاً عن طاعة الله - تعالى -، وحرمانًا من حلاوة الإيمان، ويزين به الشيطان الوقوع في الفاحشة؛ حتى إذا وقعت استحوذ الشيطان على القلب فلعب به كما يلعب الصبي بالكرة، فأورده المهالك.
- لا تجعل الإنترنت يشغلك ويضيع وقتك فيما لا نفع فيه، فتتجول بين المواقع والمنتديات الساعات الطوال هدرًا لساعات عمرك، على حساب واجباتك، وحقوق الناس عليك من أهل، ووالدين، وولد، وأرحام، أو وظيفة تكسب فيها قوتك وقوت من تعول
---------------------
خالد سعد