دعم غزة ... بين الظلم الدولي والإنصاف الشرعي
منذ أن وقع العدوان الصهيوني على قطاع غزة في بداية عام 2009م، انكشف التخاذل العربي في نصرة أخوة الدين والعروبة، كما انكشف التواطؤ الدولي في دعم الصهاينة وعدوانهم.
موقف مصري مخز:
فمصر التي تمتلك حدودًا مباشرة مع غزة، وتملك معابر على هذه الحدود، ظلت تتحجج بالاتفاقيات الدولية لإغلاق معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة، على أساس أنها طرف في معاهدات وقعتها مع دولة الكيان الصهيوني، لإدارة أو حراسة المعابر.
إلا أن كثيرًا من خبراء القانون أكدوا أن جميع الحجج المصرية بشأن إغلاق معبر رفح، هي مجرد ذرائع لإسكات الرأي العام المصري والعربي، وأن ما تدعيه مصر، من كونها طرفًا في اتفاق نوفمبر 2005م، المتعلق بإدارة المعابر الحدودية للضفة الغربية وقطاع غزة، أمر لا أساس له من الصحة، وأنه لا يوجد أي التزام عليها ناحية الصهاينة بشأن معبر رفح، فلمصر السيادة الكاملة على المعبر من الجهة المصرية، وبذلك فهي تستطيع أن تضع الضوابط اللازمة فقط للدخول، كما تفعل تماما مع حدودها مع ليبيا، ومع السودان.
لكن حقيقة أمر مصر أنها متأثرة بموقف الصهاينة، لكنها ليست ملزمة بأية اتفاقية أو التزام قانوني، يفرض عليها غلق المعبر، ومع ذلك فقد رفضت مقترح حركة حماس الفلسطينية، بعودة المراقبين الأوروبيين وحرس السلطة الفلسطينية لإعادة فتح المعبر.
تواطؤ وظلم دولي:
أما على مستوى التواطؤ الدولي، ففي 16 يناير 2009م، وقَّعت وزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي ليفني ونظيرتها الأمريكية كونداليزا رايس، اتفاقًا مشبوهًا في واشنطن، ينص على فرض مراقبة صارمة على مداخل قطاع غزة البرية والبحرية والجوية، بمشاركة حلف الناتو وقوى إقليمية؛ بحيث تنتشر هذه المراقبة لتشمل البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وخليج عدن والخليج العربي، وكذلك سيناء المصرية.
كما تضمن الاتفاق تعهد واشنطن لبني صهيون بإقامة جهاز مراقبة واسع لمنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة ومراقبة معابرها، وتزويدها بأجهزة متطورة لاكتشاف الأنفاق، بجانب تدريب قوات محلية في المنطقة على كيفية مواجهة تهريب السلاح إلى غزة.
الرؤية الشرعية:
أما على مستوى الرؤية الشرعية لنصرة العرب والمسلمين لإخوانهم في غزة، فتعتبر دعم غزة وجهادها واجبًا وفرضًا على كل مسلم حسب مقدرته، كما تعتبر شعب غزة من أولويات مصارف الزكاة في ضوء أحكام ومبادئ فقه زكاة المال، فينطبق عليهم مصرف الفقراء والمساكين؛ فهم فقراء حقًّا، ويقينًا يعيشون دون حد الكفاية، بل إن بعضهم يعيش دون حد الكفاف، فشتان بين حال فقير يعيش في دولة عربية مجاورة وبين حال فقير من فقراء غزة.
ومصرف الغارمين؛ فهم من الذين أثقلتهم أعباء الحياة المعيشية وتراكمت عليهم معظم الديون، ونزلت عليهم الحوائج والمصائب، ومنها اعتداءات العدو الصهيوني في كل لحظة، بهدم منازلهم وخيامهم وأكواخهم، وبقلع مزارعهم، وبسجن عوائلهم، وبتيتيم أولادهم.
فشعب فلسطين بصفة عامة وشعب غزة بصفة خاصة في سجون الاحتلال الصهيوني، وهؤلاء يحتاجون إلى من يدافع عن قضيتهم ويحررهم؛ ولذلك وجبت عليهم الزكاة والصدقات واستحقوا مصرف ابن السبيل.
إن شعب فلسطين تم تهجيره من دياره، ويعيش معظمه في خيام دون حد كفاية الحاجات الأصلية من المأكل والمشرب والملبس والمأوى والعلاج والتعليم، وحتى فريضة الحج؛ ولذلك وجبت لهم الزكاة والصدقات.
وكذا مصرف في سبيل الله، فهم المجاهدون والمرابطون في أرض مباركة من أراضي الإسلام، وهم كذلك المجاهدون من أجل تحرير المسجد الأقصى، وهم أيضًا المجاهدون للمحافظة على عزة المسلمين، وهم أيضًا المجاهدون لإحياء فريضة الجهاد، ولذلك وجبت لهم الزكاة والصدقات.
ولقد صدرت العديد من الفتاوى من مجامع الفقه الإسلامي العالمية ومن كل علماء وفقهاء الأمة بجواز نقل الزكاة والصدقات إلى شعب فلسطين بصفة عامة وشعب غزة بصفة خاصة، حيث ينطبق عليهم فقه أولويات مصارف الزكاة، ويجب على حكومات الدول العربية والإسلامية أن تيسر ذلك وهذا أضعف الإيمان.
ويجب على المسلمين دعم المجاهدين في غزة بالزكاة والصدقات والضحايا "الأضحيات" والنذور وما في حكم ذلك، ولقد أجمع فقهاء الأمة الإسلامية على وجوب إرسال الزكاة والصدقات إليهم، ويعتبر ذلك من أولويات صرف الزكاة وجواز نقلها إليهم.
وبالنسبة للاتفاقات الأمنية لمنع وتجريم تهريب السلاح إلى غزة؛ فقد اتفق جمهور العلماء على أن المقصود بسهم في سبيل الله هم الغزاة، لأن سبيل الله هو الغزو، ويعطى لهم حتى ولو كانوا أغنياء، وهناك من يرى قصر هذا السهم على الغازي الفقير المنقطع للجهاد، ولكن هناك من يوسع دائرة سهم في سبيل الله، ويرى أنه يمثل كل نفقة في سبيل نصرة الإسلام والتمكين لشريعة الله في أرضه، وهذا ينطبق على إخواننا في فلسطين المحتلة حيث أنهم يدافعون عن المقدسات الإسلامية.
وعلى كل الأحوال، فإن الجهاد يحتاج إلى المال الكثير لسداد حاجات المجاهدين وإلى الإنفاق على تدريب المجاهدين وإلى تصنيع وشراء المستلزمات والأسلحة، وأعداء الإسلام اليوم في سباق تسلح دائم ومستمر، ويتم رصد الأموال الكثيرة في سبيل محاربة المسلمين في كل مكان.
ولقد تكالبت أمريكا وأعوانها على مد اليهود والصهاينة الذين يحتلون فلسطين بكل شيء، وهذا يوجب على المسلمين أن يقفوا بجوار إخوانهم في فلسطين المحتلة وتزويدهم بكل شيء.
والزكاة تمثل معينًا لا ينضب؛ حيث أن حصيلتها لا يستهان بها، فالسهم الذي يخص "في سبيل الله" يمكن أن يسد جزءًا من حاجة المسلمين إلى الأموال للجهاد، بدلًا من الاستدانة من غير المسلمين بالربا، فلو حسبنا الزكاة على أموال المسلمين المودعة في بنوك أعداء الإسلام لكفت لتكوين جيش قوي يحمي المقدسات الإسلامية والأقليات الإسلامية في كل مكان، وما يمكن أن يحتاج إليه الجهاد من أموال بعد ذلك يمكن أن يأخذ من أغنياء المسلمين ـ فللجهاد حق في المال غير الزكاة.