الملتقى الدعوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الملتقى الدعوي - الملتقى الفكري - اسلاميات
 
الرئيسيةالمواضيع الأخيرأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 البعث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبوأنس




عدد المساهمات : 306
تاريخ التسجيل : 14/07/2010

البعث Empty
مُساهمةموضوع: البعث   البعث I_icon_minitimeالثلاثاء يوليو 27, 2010 11:36 pm

البعث
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله..أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ الأمةَ، وكشف الله به الغمة، جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصلى اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين...
أما بعـد:
فحيَّا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وذكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور.
طبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلا.
حياكم الله جميعاً وأسأل الله - سبحانه وتعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعني وإياكم في الدنيا دائما وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار كرامته.
إنه ولى ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..
أما بعـد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أحبتي في اللـه: هذا هو لقاءنا التاسع مع رحلة في رحاب الدار الآخرة، وها نحن الآن على موعد مع حديث مروع مهيب يحدث حين وقوع الساعة.
قال اللـه - تعالى -: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرض إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرض بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [الزمر: 68-70].
فبعد أن تكلمنا آنفا عن الصور، ونفخة الفزع، والصعق بقي لنا أن نتكلم عن نفخة البعث؟ وكما تعودنا أيها الأحبة الكرام حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً سوف ينتظم حديثي في هذا الموضوع الهام في العناصر التالية:
أولاً: نفخة البعث
ثانياً: الأدلة على البعث من القرآن والسنة.
ثالثاً: من مات على شيء بعث عليه: لقد انتهينا في اللقاء الماضي عند هذا المشهد الرهيب في وسط هذا الكون المذهل المهيــب حينما ينطق صوت جليل قريب يسأل صاحب الصوت ويجيب فلا يومها من سائل غيره ولا مجيب.
ويقول بعد فناء كل الخلق قاطبـة أين الملوك؟! أين الجبارون؟! أين المتكبرون؟! ثم ينادى جل جلاله بصوته - سبحانه - ويقول: لمن الملك اليوم؟! فلا يجيب على اللـه أحد لأنه لا أحد، يجيب على ذاته جل في علاه ويقول: لله الواحد القهار.
مات كل مخلوق ولم يبق إلا اللـه الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، كان آخراً كما كان أولاً: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
هو الأول فلا شيء قبله وهو الآخر فلا شيء بعده وهو الظاهر فلا شيء فوقه وهو الباطن فلا شيء دونه وهو السميع العليم.
أولاً: نفخة البعث
واللـه لا يعلمها إلا من وسع علمُه كلَ شيء؟! ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه قال: ((بين النفختين أربعون)) قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوماً؟ قال أبو هريرة: أبيتُ قالوا: يا أبا هريرة أربعون شهراً؟ قال: أبيـت قالـوا: يا أبـا هريـرة أربعون سنة؟ قال: أبيت([1]).
ومعنى قوله أبيت أي: أبيت أن أسأل رسول عن ذلك فعلمها عند اللـه.
بعد أربعين إذا أراد اللـه أن يحى ويبعث خلقه أنزل من السماء ماءً فتنبت به الأجسام في القبور تحت باطن الأرض كما ينبت البقل.
ففي صحيح مسلم أنه قال: ((كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب([2]) منه خلق ابن آدم ومنه يركب))([3]) فإذا ما أراد اللـه أن يبعث الخلائق أتى بهذه العظمة الدقيقة وأتى بجسد صاحبها. مات فرق منه في البحار.. وما تفرق منه في التراب.. وما ذهب منه إلى بطون الحيوانات والسباع.. يأتي به اللـه - جل وعلا - ويركب اللـه - جل وعلا - جسد صاحبها واللـه يعلم عظمة كل إنسان خلقه من لدن آدم إلى يوم القيامة فتكتمل الأجساد في القبور وحينئذ يأمر إسرافيل بعد ما يحييه أن يلتقم الصور([4]) وينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح.. أرواح المؤمنين لها نور وأرواح المشركين لها ظلمة!! فتسرى الأرواح إلى الأجساد التي اكتملت كما يسرى السم في اللديغ([5]) وحينئذ يأمر اللـه - جل وعلا - الأرض أن تتزلزل وأن تتشقق ليخرج منها الناس من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة.
قال - تعالى -: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرض إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الأَرض بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [الزمر: 68-70].
وقال - تعالى -: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ إنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [يس: 51-54].
وقال - تعالى -: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرض عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [ق: 41-45].
واستمع معي إلى قول اللـه - عز وجل -: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرض زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرض أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا* يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 1-8].
تعال معي أخي في اللـه لنتجول سريعاً مع معاني هذه الآيات: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرض زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأَرض أَثْقَالَهَا أي إذا حدث زلزال الأرض العظيم الذي ليس له مثيل على الإطلاق، فلفظت الأرض ما حوته من جثث الخليقة وقالت بلسان الحال: لقد أثقلتمونى كثيراً بذنوبكم ومعاصيكم فتحملت منكم الكثير، من سفك دماء، وسلب ونهب، وطغيان، وعربدة، وسرقة، وما إلى ذلك من تلكم المعاصي؟
وَقَالَ الإِنْسَانُ مَا لَهَا ما الذي حول أمنها إلى اضطراب؟! ما الذي حول سكونها إلى زلزلة؟! ما الذي حدث؟! فترد الأرض عليهم وتقول: إنها أوامر اللـه... سبحـــان اللـه الأرض تتكلـــم! إنهــا إرادة اللـه!!
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا في هذا الوقت سوف تعرف الأحداث، سوف تعرف الأخبار وذلك بأمر من اللـه رب السموات والأرض.
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ باللـه عليك عش بقلبك، وكيانك معي هـذا المشهـد الذي يخلع القلب ويزلزل الكيان.
الأرض تتشقق وتتفتح القبور متناثرة هنا وهناك في شمال وجنوب وغرب وشرق، تتشقق تلكم القبور ويخرج من كل قبر عشرة أو مائه أو ألف يخرج من هنا وهنالك يخرج هذا وذاك، شَخُصَ البصر إلى اتجاه واحد لا يلتفت يميناً ولا يساراً إلى هذا الداعى - الملك الكريم - الذي جاء بأمر رب العالمين ليقود الناس جميعاً إلى أرض جديدة عفراء لم يطأها أحد من قبل بقدميه ألا وهى أرض المحشر.
قال - جل وعلا -: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه: 108-111].
يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ لا يلتفت أحد ولا يتخلف أحد، أيتها العظام البالية أيتها العظام النخرة، يا أكفاناً خاوية ويا قلوباً خاوية ويا عيوناً سائلة ويا أبداناً فاسدة.
أيها الناس جميعاً في القبور حان وقت القيام لفصل القضاء بين يدي الملك الغفور.
ترى كيف يخرج الناس من قبورهم؟! يخرج الناس من القبور حفاة، عراة، غُرْلا، لا نعال في أقدامهم، لا ثياب تغطى أبدانهم. لا شيء يسترهم.
غرلا: جمع أغرل، والأغرل هو الصبي الصغير المولــود قبل ختانه.
قال - تعالى -: كَمَا بَدَأنَا أَوَّلَ خَلـقٍ نُّعِيدُهُ وَعْـداً عَلَينَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء: 104].
يقول النبي: ((يحشر الناس حفاةً عراةً غرلاً)).
فتعجبت عائشة أم المؤمنين قالت: يا رسول اللـه الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال المصطفى - صلى الله عليه وسلم- : ((يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك))([6]).
قال - جل وعلا -: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس: 33-37].
تصور هذا المشهد يا عبد اللـه لتقف على هول وفظاعة هذا اليوم.
مثل وقوفك يوم العرض عريانا *** مستوحشـــا قلق الاحشاء حيرانـا
النار تلهب من غيض ومن حنق *** على العصاة ورب العرش غضبانـا
اقرا كتابك يا عبدي على مهـل *** فهل ترى فيه حرفا غير ما كانـــا
لمــا قرات ولم تنكر قراءتـه *** اقرار من عرف الاشياء عرفانـــا
نادى الجليل: خذوه يا ملائكتي وامضوا *** بعبد عصى للنار عطشـانا
المشركون غدا في النار يلتهبوا *** والمــؤمنون بدار الخلد سكــانا
يا عبد اللـه دثر نفسك في هذا اليوم برداء طيب كريم ألا وهو رداء العمل الصالح.. دثر جسدك في هذا اليوم برداء العمل الصالح.. رداء الطيبات الصالحات الباقيات عند رب الأرض والسموات.
ذلك أن العمل الصالح هو القائد الوحيد إلى جنان العزيز الحميد.
ثانياً: الأدلة على البعث من القرآن والسنة:
ها هو أحد الجاحدين يأتي إلى النبي بعظم فيفته بين يديه ويذره في الهواء ويقول للنبي في سخرية واستهزاء: يا محمد أتزعم أن ربك يبعث هذا بعد ما صار رميماً؟! فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم- : ((نعم يميتك ثم يحيك ثم يدخلك النار)).
فنزل قول اللـه - جل وعلا -: أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرض بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس: 77-83].
يقول المصطفى كما في الحديث الذي رواه أحــمد في مسنده بسند حسن من حديث بسر بن جحاش القرشي أن الحبيب النبي بصق يوماً على كفه ووضع المصطفى أصبعه عليها ثم قال: قال اللـه - تعالى -: ((يا ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين برديـن وللأرض منـك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغــت الروح التراقي قلت: أتصـــدق، وَأّنَّى أوان الصــدقة))([7]).
قال - تعالى -: أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة: 36-40].
بلى وعزته وجلاله إنه لقادر على أن يبعث الموتى.
وفى الصحيحين من حديث أبي هريـــرة أن النبي قــال: قـال اللـه - تعالى -: ((كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ اللـه ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد))([8]).
قال - تعالى -: زَعَـمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَن يُبعَثُوا قُل بَلَى وَرَبَّى لَتُبعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَئونَّ بِمَا عَمِلتُــم [التغابن: 7]. أي سيبعثهم اللـه وسوف يقرؤون في الصحائف التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة ولا تظلم مثقال ذرة من أعمالهم التي اقترفوها.
فرد الكفار المعاندون المكابرون وقالوا كما جاء في كتاب اللـه: وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا * يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا [الإسراء: 49-52].
وفى الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه قال: ((كان رجل يسرف على نفسه فلما حضرته الوفاة جمع بنيه وقال: يا بني إذا أنا مت فحرقوني فإذا صرت فحماً فاسحقوني فإذا كان يوم ريح عاصف فذروني - وفي لفظ فذروا نصفي في البر ونصفي في البحر - فلإن قدر عليَّ ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحداً من العالمين)).
وأخذ هذا الرجل العهود والمواثيق على أولاده أن يحرقوه وأن يسحقوه وأن ينثروه في الريح في البر والبحر فلما مات الرجل فعلوا به ذلك. يقول المصطفى: ((فأمر اللـه البر فجمع ما فيه وأمر اللـه البحر فجمع ما فيه وقال: الملك جل جلاله لهذا الرجل كن، فإذا هو رجل قائم بين يديه - سبحانه - ثم قال: عبدي ما حملك على ذلك؟ قال: خشيتك يا رب وأنت تعلم. فغفر اللـه له))([9]).
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي يقول: قال اللـه: ((يا ابن آدم إنـك ما دعـوتني ورجـوتني غفرت لـك علـى ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم اسـتغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقُـراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفـرة))([10]).
ولقد ضرب اللـه لنا أمثلة عملية في كتابه الكريم نزفها إلى كل من يجهل حقيقة البعث وينكر هذه الحقيقة التي لا ريب فيها.
قال - سبحانه -: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 259-260].
يقول أهل التفسير: مر العـُـزير علــى قرية بيت المقدس وقد دمر القرية بختنصر وأصبحت لا مظهر فيها لأسباب الحياة فوقف العزير أمام هذه القرية متأملاً متدبراً ثم قال: كيف يحي اللـه هذه القرية بعد موتها؟!
كيف يبعث اللـه - جل وعلا - هؤلاء الأموات؟! وكيف يعيد الحياة إلى هذه القرية الخاوية؟! فأماته اللـه مائة سنة ثم بعثه، وخاطبه بواسطة الملك قال: يا عزير كم لبثت؟! فوجد العزير الشمس تميل إلى الغروب فظن أنها شمس اليوم الذي نام فيه فقال: لبثت يوماً أو بعض يوم قال: يا عزير لقد لبثت مائة سنة. قال: كيف ذلك؟!
انظر إلى وجهي المقارنة الثابت، والمتحرك، انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه أي لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته.
فكر في هذا جيداً لتعلم أن الملك على كل شيء قدير.. انظر إلى حمارك فإذا به قد بلي وتحول إلى عظام رميم فأمر اللـه جلا وعلا أن يحيي هذا الحمار أمام عينه وبين يديه ليجعله برهاناً دامغاً للناس جميعاً على أن اللـه على كل شيء قدير، أمر اللـه - تعالى -الأرض أن تجمع العظام، فجاءت العظام من هنا ومن هناك بعدما صارت رميم فالتئمت واكتملت وصار كل عظم إلى جوار العظم الذي يليه فتركبت العظام وأصبح الحمار هيكلاً عظمياً فقط بين يدي العزير وعلى الفور أمر اللـه - جل وعلا - أن تكسى العظام باللحم وبالتوالي أمر أن يكسى اللحم بالشعر، وفي التو أمر اللـه الملك أن ينفخ الروح فنهق الحمار بإذن اللـه - سبحانه - الذي أحيى العظام وهي رميم!! هذه هي طلاقة القدرة التي انفرد بها الواحد الفرد الصمد!! فنظر العزير إلى هذه وقال: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وإبراهيم الخليل - عليه السلام - قال: رب أرني كيف تحي الموتى بعد هلاكها؟! قال: أولم تؤمن يا إبراهيم؟! قال: بلى يا رب ولكن ليطمئن قلبي قال: يا إبراهيم خذ أربعة من الطير اذبحهن وعلمهن واخلط العظم مع اللحم مع الريش؟ وخذ كوماً من لحم وعظم وريش مخلوط وممزوج وضع كل جزء من الخليط هذا على رأس جبل.
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله تعالى -: وجعل إبراهيم رؤوس الطيور في يديه ثم وقف إبراهيم - عليه السلام - ونادى على هذه الطيور فجاءت تسعى إلى إبراهيم ولم يأتِ طيراناً لينظر إبراهيم بعينه وليطمئن أنه هو بعينه الذي ذبحه وعلمه بيده حتى جاء كل طير إلى إبراهيم.
يقول الحافظ: فكان إبراهيم إذا قدم رأساً لطائر ليست رأسه أبى فإذا قدم الرأس لجسدها التأم الرأس في الجسد بإذن اللـه.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، قدرة اللـه لا تحدها حدود.. قدرة اللـه ليس لها نهاية.. قدرة اللـه العقل قاصر عن إدراك حدودها.
ولقد ذكر اللـه مثالاً ثالثاً سنختم به هذا العنصر الهام. وذكر اللـه أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم موتى ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعا: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ ءَايَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا ءَاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى ءَاذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا [الكهف: 9-12].
اللـه أكبر... أماتهم اللـه هذه السنوات ثم بعثهم ليجعلهم آية للناس إنه - جل وعلا - على كل شىء قدير.
أيها الأخيار: إن من كَلَّف عقله ليصل إلى حدود قدرة اللـه كالذي كلف نملة أن تنقل جبلاً من موضعه إلى موضع آخر.
قل للطبـ‎يب تخطفتـه يد الردى *** ياشافـي الأمراض من أرداك؟!
قل للمريض نجا وعوفي بعدما *** عجزت فنون الطب من عافاك؟!
قل للصحيــح مات لا من علة *** من يا صحيح بالمنايا دهاك؟!
بل سائل الأعمى خطى وسط الزحام *** بلا اصطـدام مـن يقـود خطاك؟!
بل سائل البصير كان يحذر حفرة *** فهوى بها من ذا الذي أهـواك؟!
وسل الجنين يعيش معزولا بـلا راع *** ولا مرعى من ذا الذي يرعاك؟!
وإذا الوليد بكى وأجهـش بالبكاء *** لـدى الـولادة مـا الـذي أبكاك؟!
وإذا تــرى الثعبان ينفـث سمه *** من ياثعبان بالسموم حشاك؟!
وسله كيف تعيـــش يا ثعبان *** أو تحيى وهذا السم يملأ فاك؟!
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت *** شهداً وقل للشهد من حلاك؟!
بل سـائل اللبن المصفى كـان بين *** فرثٍ ودم مــن ذا الـذي صفاك؟!
أإله مع اللـه!! أإله مع اللـه!! أإله مع اللـه!!
لا إله إلا اللـه، ولا رب غيره، ولا معبود بحق سواه
وأقول قولي هذا وأستغفر اللـه لي ولكم..
الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللـه من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده اللـه فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا اللـه وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وكشف اللـه به الغمة، فاللـهم أجزه عنا خير ما جزيت به نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته وصل اللـهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أحبتي في اللـه:
ثالثاً: من مات على شيء بعث عليه:
أخي في اللـه مرة ثانية أعرني قلبك وسمعك فإن الموضوع من الأهمية والخطورة القصوى بمكان.
فلقد ورد في حديث في صحيح مسلم أن النبي قال: ((يبعث كل عبد على ما مات عليه))([1]).
يا عبد اللـه ستبعث على أي هيئة مت عليها فإن كنت من السعداء مت على طاعة ستبعث يوم القيامة عليها، وإن كنت من الأشقياء مت على معصية ستبعث عليها يوم القيامة.
اللـه أكبر... هناك من يبعث والنور يشرق من وجهه، ومن أعضائه، وعن يمينه، ومن بين يديه قال - تعالى -: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم: 8].
ورد في الأثر الذي أورده السيوطي في الدر المنثور وعزاه السيوطي لابن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه وروى الحاكم الأثر في المستدرك وصححه على شرط الشيخين وتعقب الحاكمَ الذَّهبيُ وقال: بل هو صحيح على شرط البخاري: أن عبد اللـه بن مسعود قال: "منهم من يكون نوره كالجبل ومنهم من يكون نوره كالنخلة، ومنهم من يكون نوره كالرجل القائم، ومنهم من يكون نوره على إبهامه يوقد مرة ويطفأ مرة، ومنهم من تحيط الظلمة به من كل ناحية".
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد: 13].
ينادى أهلُ الظلمات أهلَ الأنوار: يا أهل الأنوار انتظرونا، لا تتركونا في هذا الظلام الحالك الدامس!! ألم نكن معكم؟ ألم نصلِّ معكم صلاة الجماعة؟ ألم نشهد معكم الغزوات؟ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد: 14].
ومنهم من يبعث فينطلق إلى أرض المحشر صرخ بأعلى صوته لبيك اللـهم لبيك. من هذا؟
هذا من مات بلباس الإحرام في الحج والعمرة يبعث به ملبياً يوم القيامة ففي الصحيحين عن عبد اللـه بن عباس قال: بينما رجل واقف مع النبي بعرفة، إذ وقع من راحلته، قال أيوب: فأوقصته فذكر ذلك للنبي فقال: ((اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً))([2]).
((ومنهم من يخرج منه دم اللون لون الدم، والريح ريح المسك)). من هؤلاء يا رسول اللـه؟ قال: ((هم الشهداء في سبيل اللـه)).
يقول: ((والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل اللـه واللـه أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب دماً اللون لون الدم والعرف عرف المسك))([3]).
أحبتي في اللـه: نحب أن ننوه إلى أنه قد يظهر أمام الناس شخص قتل في غزوة أو معركة ويقال: أنه شهيد وهو ليس كذلك!.. لماذا؟! لأنه لا يعلم السر وأخفى إلا اللـه، فلا تحكم لأحد بالشهادة الجازمة في الدنيا، لذا لا يقال: الشهيد فلان، ولكن قل نرجو اللـه أن يتقبله عنده في الشهداء ومن يعلم النيات غير اللـه!!
ومنهم من يبعث وبطنه منتفخة لا يقوى على القيام بل ولا يستطيع الجلوس يتخبط عن يمينه وعن شماله يتكفأ على وجهه، من هؤلاء؟!
هؤلاء هم أكلة الربا: قال اللـه - تعالى -: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275]‍‍‍.
انظروا معي إلى المشهد الآخر...
رجل يسير في أرض المحشر ومن حوله مجموعة من الأطفال الصغار هذا يتعلق بيده وهذا يتعلق بقدمه!! وهذا يجره جراً وهذا يدفعه دفعاً!! مشهد رهيب.. مَنْ هذا؟! مَنْ هؤلاء؟!...
هذا هو آكل أموال اليتامى بالباطل وهؤلاء هم اليتامى!! إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: 10].
ومنهم من يبعث من النساء وعليها جلباب من لعنة اللـه ودرع من النار وقد وضعت يدها على رأسها وهي تسير على أرض المحشر وتقول: يا ويلاه... يا ويلاه.... أتدرون من هذه؟!
قال رسول اللـه إنها النائحة.. النائحة هي التي تسير خلف الجنازة تبكى وتصرخ وتلطم وجهها وتشق جيبها وتضع التراب على رأسها وتقول.. يا ويلاه!!... يا ويلاه!
ومنهم من يبعث وفي يده كأس الخمر..
ومنهم من يبعث وهو يحمل على كتفه ما سرقه في الدنيا. قال - تعالى -: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 161].
قال الحافظ بن كثير: لقد أجرى اللـه الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.
فإن أردت أخي الحبيب أن تبعث على طاعة فأطع اللـه - جل وعلا - في دنياك، وإن زلت قدمك في معصية فاحدث بعد المعصية توبة، فإذا ما جاءك ملك الموت وأنت على طاعة. قبضك وأنت على ذات الطاعة. وحشرت يوم القيامة في زمرة الطائعين تحت لواء سيد النبيين وقائد المرسلين محمد بن عبد اللـه.
وأختم حديثي معكم عن هذا العنصر بهذين المشهدين اللذين يخلعان القلوب.
شاب أمريكي من أصل أسباني، دخل على إخواننا المسلمين في أحد المساجد في نيويورك في مدينة "بروكلين" بعد صلاة الفجر وقال: لهم أريد أن أدخل في الإسلام، قالوا: من أنت؟ قال: دلوني ولا تسألوني فاغتسل ونطق بالشهادة، وعلموه الصلاة فصلى بخشوع نادر احتقر رواد المسجد جميعاً أنفسهم أمام خشوع وسجود وبكاء هذا الشاب وتعجبوا لحاله.
وفى اليوم الثالث خلى به أخ مصري ذكي واستدرجه وقال: يا أخي باللـه عليك ما حكايتك؟ قال: واللـه لقد نشأت نصرانياً وقد تعلق قلبي بالمسيح - عليه السلام - ولكنني نظرت في أحوال الناس فرأيت الناس قد انصرفوا عن أخلاق المسيح تماماً فبحثت عن الإسلام وقرأت عنه فشرح اللـه صدري للإسلام، ولكنني في الليلة التي دخلت عليكم فيها نمت بعد تفكير عميق وتأملت في البحث عن الحق فجاءني المسيح - عليه السلام - في الرؤيا وأنا نائم وأشار لي بسبابته هكذا، وقال لي: كن محمدياً.
يقول: فخرجت أبحث عن مسجد فأرشدني اللـه إلى هذا المسجد فدخلت عليكم وبعد هذا الحديث القصير أَذَّنَ المؤذن لصلاة العشاء ودخل هذا الشاب الصلاة مع المصلين، وسجد في الركعة الأولى، وقام الإمام بعدها ولم يقم أخونا المبارك بل ظل ساجداً لله فحركه من بجواره فسقط فوجدوا روحه قد فاضت إلى اللـه - جل وعلا -. اللـه أكبر
واستحلفك باللـه يا أخي في اللـه أن تتأمل طويلا في هذه الخاتمة.
وهذه أخت من مدينة السويس عادت مع زوجها بعد رحلة الحج في الباخرة سالم اكسبريس، وصرخ الجميع بأن الباخرة تغرق، وصرخ زوجها: هيا أخرجى فقالت: واللـه لن أخرج حتى ألبس حجابي كله فقال: هذا وقت حجاب! أخرجي! فإننا سنهلك!! قالت: واللـه لن أخرج إلا وقد ارتديت حجابي بكامله فإن مت ألقى اللـه على طاعة. فلبست ثيابها وخرجت مع زوجها. فلما تحقق الجميع من الغرق تعلقت به وقالت: استحلفك باللـه هل أنت راضٍ عني؟ فبكى. قالت: هل أنت راضٍ عني؟ فبكى. قالت: أريد أن أسمعها قال: واللـه إني راضٍ عنك. فبكت المرأة التقية الشابة في ريعان شبابها وقالت: أشهد أن لا إله إلا اللـه وأشهد أن محمداً رسول اللـه، وظلت تردد الشهادة حتى غرقت فبكى الزوج وهو ويقول: أرجو من اللـه أن يجمعنا بها في الآخرة في جنات النعيم.
وها هو رجل عاش أربعين سنة يؤذن للصلاة لا يبتغي إلا وجه اللـه، وقبل الموت مرض مرضاً شديداً فأقعده في الفراش، وأفقده النطق فعجز عن الذهاب إلى المسجد، فلما اشتد عليه المرض بكى وقال في نفسه: يا رب أأذن لك أربعين سنة وأنت تعلم أني ما ابتغيت الأجر إلا منك، وأحرم من الآذان في آخر لحظات حياتي. يقسم أبناؤه أنه لما حان وقت الآذان وقف على فراشه واتجه للقبلة ورفع الآذان في غرفته وما إن وصل إلى آخر كلمات الآذان: لا إله إلا اللـه، خر ساقطاً على الفراش فأسرع إليه بنوه فوجدوا روحه قد فاضت إلى مولاها.
إنما الأعمال بالخواتيم
وهذا شيخنا المبارك عبد الحميد كشك - رحمه الله - يقبض في يومٍ أحبه من كل قلبه في يوم الجمعة يغتسل، ويلبس ثوبه الأبيض، ويضع الطيب على بدنه وثوبه ويصلى ركعتي الوضوء، وفي الركعة الثانية وهو راكع يخر ساقطاً فيسرع إليه أهلـه وأولاده، فوجدوا أن روحه قد فاضت إلى اللـه جل في علاه. لقد أجرى الكريم عادته بكرمه؛ أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.
أسأل اللـه العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا. إنه ولي ذلك والقادر عليه
======================
محمد حسان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
البعث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الملتقى الدعوي :: المنتديات العامة :: الــــحــــــــــــوار الإســــــــــلامي-
انتقل الى: