لن أتحدث عن أنواع الاختطاف فهذا لايعنيني الآن، لكن دعوني أسلط الضوء عن أشرس أنواعه ألا وهو اختطاف الفتوى. الصحافة تلعب دورا فاعلا في تشكيل قناعات الناس من خلال ماتطرحه على صفحاتها من غث وسمين فهي صوت الرأي العام وهي الناطقة بلسانه في الغالب الأعم، وليست الصحافة بؤرة الاتهام بل يشاركها في ذلك الإعلام الفضائي الذي يتكفل بنقل الفهلوة الإعلامية تحت مسمى السبق الصحفي لكنه في الواقع تضليل مؤكد تتبين ملامحه من خلال عدم الدقة في نقل المعلومة أو الفتوى في محاولة لكسب تفاعل المتلقين للخبر وتكوين حالة من السجال الفقهي الإعلامي يستدعي الاستعانة بخبراء في الفقه الشرعي وأعضاء مجامع علمية وغيرها. الصحافة تتفنن في تحريف الكلام أو فرمتته بحيث يظهر للقارئ أن فلانا قاله أو تفوه به بينما تراه لم يقله أو قاله في حالة محددة مخصصة والنماذج كثيرة ولو ضربنا الأمثال لطال بنا المقام، لكن السؤال الذي يطرح نفسه أين الأمانة الصحافية التي نص عليها ميثاق الشرف الصحفي، وأين الأمانة الإعلامية التي نص عليها ميثاق الشرف الإعلامي؟ الإثارة الصحفية رافد من روافد الصحافة لاخلاف في ذلك لكن أن تنتقل الإثارة إلى بلبلة يتجرع مراراتها الناس خصوصا في أمور دينهم الذي لايقبل مساومة ولا جدلا فهذا أمر في تقديري مرفوض وممجوج.
في هذا الزمن الذي ينوء بالانفتاح الإعلامي غير المسبوق وأدوات الإتصال المتعددة صوتا وصورة وتحريرا يتطلب بل يستدعي من الدعاة البارزين اعلاميا أن يتوخوا الحذر فيما يقولونه لأن هناك ماكنات صحفية وظيفتها اختطاف الفتوى واخراجها عن سياقها العام ومن ثم فلترتها وعرضها في قالب مثير جذاب. لابد من الدقة ووضع النقاط على الحروف في أي فتوى تصدر من عالم بحيث يسد جميع المنافذ التي يمكن من خلالها أن تحمل فتواه على غير محاملها، وهذا لايتأتى إلا من خبرة ومراس في الإعلام الفضائي والصحفي وباع طويل في الفتوى التي أصبحت كلأ مباحا يخوض في تفصيلاتها وتفريعاتها الكثير حتى تكاد تكون فتوى على الطلب، وماكثرة القنوات الفضائية وكثرة من تستضيف من مغمورين قد يكون من أكبر اهتماماتهم البروز الإعلامي اللافت وإرضاء الجماهير ولي أعناق النصوص وتطويعها لرغبات المشاهد أو المستمع حتى اختلط الحابل بالنابل. في اقلرن الأول كان المشهورون بالفتوى بين صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم قلة قليلة مع كثرة الصحابة رضوان الله عليهم، ومع ذلك كانوا يتدافعون الفتوى كل يتمنى لو كفاه أخوه. إن اتقاء الشبهات في زمن يموج بالملل والنحل والأهواء هو كما جاء في الحديث النبوي الشرف استبراء للدين والعرض، وبالمقابل إن المتتبع للرخص قد يجد مخرجا أو مخارج لكنه لن يكون مرتاح الضمير قرير البال لأنه يعرف قبل غيره أن الحق في غير مااختار. كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، قد يلمع الباطل فتوى فضائية لكن يظل باطلا يتضح بطلانه عند العرض على رموز الفتوى من العلماء الراسخين.
إن العلماء الربانيين الذين أفنوا سنين عمرهم في طلب العلم حتى صاروا بحق منارات يهتدى بها في حالك الزمان هم أولى وأحق من يرجع إليهم في أمور الديانة، وهم من تبرأ بسؤالهم الذمة، وهم الذين يفتون بما يدينون الله به، وهم من يوثق بعلمهم ويستدل بطريقتهم. إن من يطوع الدين لغايات نفسه لن يعدم حيلة في ايجاد من يبررون له ويزينون له هواه تحت بند الفتاوى الجاهزة أو المعلبة أو حسب الطلب، والناس وإن تكاثرت الظباء، والفتاوى الفضائية أقضت المضاجع وبلبلت الأفكار صاروا يتهافتون على من يطوع الفقه لمرادهم بدلا من أن يطوعهم، ومما يحسن لفت الانتباه إليه من المفتين تحري الدقة وتقوى الله فيما يقولونه ويتلفظون به، كما نتمنى على الإعلاميين على اختلاف شرائحهم تحري الدقة في نقل الخبر وحصحصته ووضعه في نطاقه الطبيعي دون رتوش أو عمليات ترميم .
======================
عبدالله صالح