أبوأنس
عدد المساهمات : 306 تاريخ التسجيل : 14/07/2010
| موضوع: لمن تسمع ؟ الأحد أغسطس 01, 2010 8:17 am | |
| لمن تسمع ؟ |
إن الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، إنه من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } آل عمران102
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } النساء1
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب71،70 ].
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي نبينا محمد r ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد ..
فحياكم الله جميعا أيها الأخوة الأخيار وأيتها الأخوات الفاضلات ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً ، وأسأل الله – جل وعلا – الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته ، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفي r في جنته ودار مقامته ، إنه ولي ذلك ومولاه ..
أحبتي في الله :
نحن اليوم بحول الله ومدده على موعد مع اللقاء السابع من لقاءات سورة التربية والأخلاق (( سورة الحجرات )) .
وما زلنا بتوفيق الله وحوله مع أول آية من آيات هذه السورة الجليلة الكريمة التي يعلم الله – عز وجل – فيها المؤمنين الصادقين الأدب مع سيد المرسلين ، يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات/1] . ما زلنا نطوف في بستان هذه الآية الماتع الجليل ، تكلمت عن الأدب القلبي مع حبيبنا النبي r وحديثنا اليوم بإذن الله – جل وعلا – عن الأدب العملي مع سيدنا رسول الله r .
أما الأدب العملي فقد بينه الرب العلي في آية جامعة في قوله تعالى : { َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [الحشر/7].
تعالوا بنا في إطار هذه الآية الجليلة التي تبين محوري الأدب من طاعة فيما أمر وانتهاء عما نهى عنه النبي r وزجر .
تعالوا بنا لنطوف في بستان الأدب العملي الماتع ، من خلال المحاور التالية :
أولا : أدلة القرآن
ثانياً : أدلة السنة
ثالثاً : واقع مشرق
رابعاً : واقع مؤلم
وأخيرا : سبيل النجاة
فأعرني قلبك وسمعك أيها الحبيب اللبيب
أولاً : أدلة القرآن :
لقد جعل الله – تبارك وتعالى – طاعة النبي r طاعة له – جل وعلا – طاعة النبي r طاعة لله ، ومعصية النبي r معصية لله ، قال تعالى:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} [ النساء/80] تدبروا هذا التكريم من الرب العلي للحبيب النبي r: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} آية حاسمة تبين مكانة نبينا r عند ربنا فطاعتك لرسول الله r طاعة لله ومعصيتك لرسول الله r معصية لله قال – جل وعلا: { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } [النساء/59] ولاحظ أن الله – جل وعلا – أمر بفعل: {وَأَطِيعُواْ} { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} فقدم طاعة الله ، وطاعة رسوله r بفعل الأمر: {وَأَطِيعُواْ} ولما أمر بطاعة ولي الأمر لم يصدر هذه الطاعة بأمر: أطيعوا وإنما قال: {وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} لماذا ؟ .
لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعتهم لله ورسوله r ، إنما الطاعة في المعروف ، أما الطاعة المطلقة بلا تردد ولا انحراف لا تكون إلا للرب العلي ، وللحبيب النبي r قال تعالى: { أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } .
بل لقد جعل الله – تبارك وتعالى – طاعة النبي r وإتباعه – تدبر – علامة على محبة العبد للرب ، أكرر : لقد جعل الله – تبارك وتعالى – طاعة النبي r وإتباعه – تدبر – علامة على محبة العبد للرب قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران/31] لقد جعل الله – جل وعلا – هذه الآية الجليلة علامة ، ليتبين من خلالها المحب الصادق من الدعي الكذاب ، فالمحب الصادق لله هو المتبع لرسول الله r والدعي الكذاب في محبته هو المخالف لأمر رسول الله r .
علامة حاسمة دقيقة ، يستطيع كل واحد منا الآن أن يتعرف من خلالها ، على صدق محبته لربه – جل وعلا – فعلى قدر إتباعك للمصطفى يكون حبك لله وعلى قدر انحرافك عن منهج المصطفى r يكون بغضك لله وأنت لا تدري {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي} أي : فاتبعوا المصطفى رسول الله {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ..
تعصي الإله وأنت تزعم حبه إن كان حبك صادقاً لأطعته من يدعي حب النبي ولم يفد فالحب أول شرطه وفروضه
|
|
هذا لعمري في القياس شنيع إن المحب لمن يحب مطيع من هديه فسفاهة وهراء إن كان صدقاً طاعة ووفاء
|
بل لقد أقسم ربنا بذاته العلية ، تدبروا هذه اللطيفة القرآنية – لقد أقسم ربنا بذاته العلية ، أنه لا يثبت إيمان لأي أحد على وجه الأرض ، إلا إذا حكّم رسول الله r في كل شيء في حياته وشؤونه ، ثم رضي بحكم رسول الله ولم يجد في حكمه حرجاً في صدره، وسلم لحكم النبي r تسليما مطلقاً قال تعالى : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } قسماً بذات الله العلية {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء/65] قال إمامنا ابن القيم – لله دره: تحكيم رسول r في كل شيء مقام إسلام ، وعدم وجود الحرج في الصدر من حكمه مقام إيمان والتسليم الكامل لحكمه مقام إحسان .
أكرر : تحكيم رسول r في كل شيء مقام إسلام ، وعدم وجود الحرج في الصدر من حكمه مقام إيمان والتسليم الكامل لحكمه مقام إحسان {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } .
بل لقد جعل – الله تعالى – طاعة النبي r سبيلاً وحيداً لبلوغ الصراط المستقيم، ولبلوغ الهداية التي جعلها الله غاية ، فما من مسلم إلا ويتضرع إلى الله في كل ركعة من ركعات الصلاة ، من صلاة الفرض ، وصلاة النفل يتضرع إلى الله أن يرزقه الله الهداية، فيقول:{اهدِنا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } أنت تدعو الله بهذا الدعاء ، إن أردت أن تٌهدى إلى الصراط المستقيم فها هو الذي يدلك عليه ويأخذ بيدك إليه قال ربي – جل وعلا – لنبيه r : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى/52] .
تدبر القرآن لتعلم كيف تسلك الصراط المستقيم ، كل الطرق ، كل الطرق إلى الله مسدودة – إلا من طريق المصطفى r لا وصول للطريق المستقيم ، إلا خلف النبي الأمين r .
الزم دربه إن وضع الحبيب r رجله اليمنى على هذا الصراط ، فضع رجلك اليمنى على أثر قدم الحبيب r ، وإن وضع رجله اليسرى فضع قدمك اليسرى على أثر الحبيب r ، والزم الغرز ، واتبع الطريق ، واسلك الدرب ، ولا تنحرف يمنة ولا يسرة ، لترى حتماً في آخر هذا الطريق ، لترى الحبيب المصطفى r ينتظرك على الحوض ، فإن شربت من هذا الحوض شربة لن تظمأ بعدها أبدا ، حتى تتمتع بالنظر إلى وجه الله في الجنة فالزم غرزه .
تدبر معي هذا الحديث الجميل الذي رواه أحمد في مسنده بسند صححه العلامة أحمد شاكر – رحمه الله تعالى – من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه – قال r : (( ضرب الله مثلا - تدبر المثل سترى فيه من الجواهر واللآليء والدرر ما نحن في أمس الحاجة إليه – قال الحبيب r : (( ضرب الله مثلا ً صراطاً مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران ))
تصور معي طريق صراط مستقيم وعلى جنبتي الصراط – أي على كل جانب من جانبي الصراط سور عظيم ((وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما )) : أي في السورين ((فيهما أبواب مفتحة وعلى كل باب ستور مرخاة )) ستر كل باب بمجموعة من الستائر المرخاة ((وعلى السورين فيهما أبواب مفتحة ، وعلى كل باب ستور مرخاة وعلى رأس الصراط في أوله داعٍ يقول : أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا)) ((على رأس الصراط)) أي في أوله داعٍ يقول : أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا ، ومن فوق الصراط داعٍ آخر ، إذا أراد أحد الناس على الصراط أن يفتح بابا من هذه الأبواب )) .
على السورين التي ألقيت عليها الستور المرخاة (( يقول الداعي من فوق الصراط : ويحك ويحك لا تفتحه ، فإنك إن تفتحه تلجه )) لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه أي : إن فتحت دخلت .
تدبر التأويل والتفسير من البشير النذير ، قال r : ((الصراط هو الإسلام والسوران حدود الله ، والأبواب محارم الله ، والداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم ))(1) ..
(( الصراط هو الإسلام والسوران حدود الله)) فهذا الصراط له حدود {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق/1]. ((والأبواب المفتحة محارم الله)) إذا أردت أن تفتح أبواباً من هذه الأبواب يقول لك هذا الداعي: ويحك لا تفتحه لا تقترب من المحارم ، فالحلال بين والحرام بين ، وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات ، فقد استبرأ لدينه وعرضه ، فالراعي إذا رعى حول الحمى يُوشك أن يقع فيه .
فلا تقترب من محارم الله ، لأنك لو اقتربت يوشك أن تقع ويُوشك أن تلج ويوشك أن تزل ، هذا الصراط لا يمكن لسالك على الإطلاق أن يسلكه ، دون أن يتعدى الحدود ، ودون أن يفتح باباً من الأبواب المستورة ، إلا إذا سلك طريق رسول الله r الذي بعثه الله للخلق ليهديهم إلى الصراط المستقيم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{52} صِرَاطِ اللَّهِ } [ الشورى/53،52] الآية .
فسلوك الدرب دون انحراف واعوجاج لا يكون أبداً إلا لمن أطاع رسول الله r قال تعالى: {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [ النور/54] قال تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف/158].
إذا إتباع النبي r سبب الهداية وسلوك درب الهداية، ثمرة حتمية للطاعة وللإتباع، للطاعة وإتباع النبي r قال – جل وعلا: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } هذا شعار أهل الإيمان فوق أي أرض وتحت أي سماء : {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {51} وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ } [النور/52،51] .
قال تعالى – ليبين حالة المنافقين أيضا بعد أن بين حال المؤمنين قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً{60} وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [ النساء /61،60] .
آيات واضحات بينات يبين فيها رب الأرض والسماوات حال المؤمنين وحال المنافقين ، اعرض نفسك الآن على الآيتين ، الكلام لي ولك .
لا تتصور أنني أخاطب بهذا القول غيري وغيرك لا ، اعرض نفسك الآن على الآيتين ، هل أنت من المؤمنين أم من المنافقين ، لا تستكثر كلمتي ، فلقد خشي النفاق على نفسه عمر بن الخطاب فلا تستكثر أن أتساءل وأقول : هل نحن من المؤمنين أم من المنافقين أم امتلأت قلوبنا بالنفاق ونحن لا ندري .
فالمؤمن شعاره السمع والطاعة ، بلا تردد ولا حذلقة ولا فذلكة ولا انحراف ، ولا جدل والمنافق شعاره السمع والإعراض ، السمع والصد السمع والانحراف السمع والبعد عن هدي رسول الله ، فأعرض نفسك على الآيتين هل نحن من المؤمنين الصادقين هل نحن ممن ردد مع السابقين الأولين قولتهم الخالدة {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة/285] أم أننا ممن قال : سمعنا وعصت قلوبنا ، وعصت جوارحنا ربها ونبينا r . اصدق اصدق أيها المسلم ، فما أيسر الادعاء ، وما أرخص التنظير ، وما أسهل الكلمات اعرض نفسك على أوامر رسول الله r ونواهيه لتتبين كيف حالك ، هل أنت صادق أم أنت مملوء بالنفاق ، وأنت لا تدري لا أريد أن أطيل النفس مع أدلة القرآن وإلا فوالله إنها لكثيرة .
ثانياً : أدلة السنة : روى البخاري وغيره من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي r قال : (( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله ))(1) .
تدبر هذا اللفظ النبوي البليغ: ((من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله)) وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أيضاً أنه r قال: ((كل أمتي يدخلون الجنة )) .. ما شاء الله اللهم لك الحمد .. (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى )) يعني : إلا من رفض أن يدخل الجنة – قالوا : يا رسول الله ومن يأبى ؟ .. من يرفض أن يدخل الجنة من أمتك – فقال: ((من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى))(2) .
تدبر أيها اللبيب قال r: (( من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى )) ..
ومن أرق الأحاديث في هذا الباب ما رواه البخاري وغيره من حديث جابر ابن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: جاءت ملائكة إلى النبي r وهو نائم فقال بعضهم – أي بعض الملائكة: إن لصاحبكم هذا مثلا، فاضربوا له مثلا فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان – فالنبي r إن نامت عينه لا ينام قلبه عن ذكر ربه أبداً – إن العين نائمة والقلب يقظان .
قالوا : مثله r كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة – أي وليمة للطعام وأرسل داعيه – أي بعث داعيا لدعوة الناس للدخول إلى الدار للأكل من طعام المأدبة - مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث داعيه قال : فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ، ومن لم يجب الداعي ، لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة .
قالوا: أولوها له يفقهها – يعني : فسروا له هذا المثل ، ليفقهه ليفهمه – فقال بعضهم : إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، قالوا: الدار الجنة، والداعي محمد – فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ومن عصى محمداً فقد عصى الله – ومحمد فرق بين الناس – أي فرق بين المؤمنين والكافرين والمنافقين – فمن آمن به وأطاعه فهو المؤمن الذي يدخل الدار ويأكل من المأدبة أي يدخل الجنة ويستمتع فيها بنعيم الله ، والكافر أو المنافق هو الذي عصى محمداً r وهو الذي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة([1]) أي لن يدخل الجنة ولن يستمتع فيها بنعيم الله – جل وعلا .
وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي ، وغيره من حديث العرباض بن سارية – رضي الله عنه – قال: وعظنا رسول الله r موعظة بليغة، وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، قلنا: كأنها موعظة مودع، فأوصنا يا رسول الله فقال r: ( أوصيكم بتقوى الله – عز وجل – والسمع والطاعة )) .. وصية رسول الله لنا السمع والطاعة ((وإن تأمر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم بعدي ، فسيرى اختلافاً كثيرا )) صلى الله على الصادق الذي لا ينطق عن الهوى r (( فإنه من يعش منكم بعدي ، فسيرى اختلافاً كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )) ([2]).
أكتفي بهذا القدر أيضا من أدلة السنة وإلا فوالله إنها لكثيرة وجليلة .
ثالثاً : واقع مشرق :
هل تحولت هذه الأدلة القرآنية والنبوية في حياة جيل من أجيال البشر إلى منهج حياة وإلى واقع عملي ، والجواب : نعم ! إنه الجيل القرآني الفريد ، إنه جيل الصحابة ، إنه الجيل الذي رباه المصطفى r وكفى ، إنه الجيل الذي رباه المصطفى r وكفى ، جيل الصحابة .
الصحابة الذين حولوا كل ما استمعتم إليه في حياتهم ، إلى واقع عملي ، إلى منهج حياة ، كانوا يستمعون إلى الأمر الرباني ، والأمر النبوي ، فترتجف لهذا الأمر قلوبهم ، وتتحرك في التو واللحظة ، لتنفيذ الأمر – جوارحهم ، وتترجم في التو واللحظة هذا الأمر أعمالهم بلا تردد ولا انحراف إذا أمر الله ائتمروا إذا أمر رسول اله r ائتمروا ، إذا نهى انتهوا ، إذا حد لهم وقفوا عند الحد بصورة ورب الكعبة يكاد العقل أن يطيش أمامها كلما راجعت كتب السنة ، وكتب السيرة وكتب التاريخ ، يقف الإنسان مدهوشا أمام هذه الطاعة الجليلة العظيمة الفارهة .
تدبروا بعض الأمثلة على وجه السرعة ...
روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : كان أبو طلحة – رضي الله عنه – أكثر الأنصار مالاً بالمدينة ... كان أبو طلحة – رضي الله عنه – أكثر الأنصار مالاً بالمدينة قال : وكان أحب ماله إليه بيرحاء ، وبيرحاء : اسم حائط للنخل حائط بستان كبير به نخل وكان هذا الحائط مستقبل المسجد النبوي ، وكان النبي r كثيرا ما يخرج من مسجده ، ليدخل إلى حائط بيرحاء عند أبي طلحة ، ليشرب فيه ماءً بارداً ، وليأكل فيه تمراً هنيا – بأبي هو وأمي .
قال : وكان أحب ماله بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، فلما نزل قول الله تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران /92] .
تدبروا أيها الإخوة والأخوات – لما نزل قول الله تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } يعني : لن تصلوا إلى درجة البر إلا إن أنفقتم من أحب أموالكم إليكم ، فلما سمع أبو طلحة الأنصاري الآية الكريمة أسرع إلى النبي r وقال : يا رسول الله بقد نزل قول الله تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } وإن أحب مالي إلي بيرحاء ، وإني جعلتها صدقة لله – تعالى – أرجو بها وجه الله – عز وجل – فضعها يا رسول الله حيث شئت ، فقال رسول الله r : (( بخ بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح ذلك مال رابح ))(1) .
وقد سمعت ما قلت .. هل في لغة البشر ما يستطيع بها بشر أن يعبر عن طاعة هؤلاء البشر لسيد البشر r ؟! لا والله ، طاعة غريبة عجيبة ، وسمع مشرق .
وكيف أتحدث عن مثل هذا وأنسى الحديث عن صديق الأمة ، ذلكم الرجل الفريد بين خلق الله في أرض الله ، بعد الرسل والأنبياء ، لا نظير لهذا الرجل العملاق ، ضرب أروع المثل في السمع والطاعة ، بل في أحلك الأوقات وأشد الظروف والأزمات ، والإنسان بشر يتألم ويحزن ، وتجرح مشاعره ، ويفرح .
فلما خاض الخائضون في عرض عائشة بنت الصديق حبيبة رسول الله r لما خاض الخائضون في عرضها وقالوا قول الإفك الآثم زل رجل من بين هؤلاء يقال له : مسطح بن أثاثة مسطح هذا كان الصديق – رضي الله عنه – ينفق عليه إنفاقا تاما ومع ذلك زل مسطح في عرض عائشة بنت الصديق ، فلما نزلت براءتها من السماء أقسم أبو بكر أن يمنع العطاء عن مسطح بن أثاثة .
أمر فطري جبِلي ، فالبشر بشر، العبد عبد، والرب رب فأقسم الصديق أن يمنع عن مسطح فنزل قول الله – جل وعلا: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ } يعني: لا يحلف أولوا الفضل منكم على منع العطاء .
{وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [النور/22] دعا رسول الله r الصديق فقرأ عليه الآية فبكى أبو بكر – رضي الله عنه – حين سمع قول الله : { أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } قال : بلى والله يا رسول الله والله أحب أن يغفر الله لي ، والله لأردن على مسطح ما كنت منعته عنه من العطاء (1) .
انظروا إلى السمح ، ما قال : لا يا رسول الله ، سبني ، جرح عرضي ، جرح شرفي وهو محق في كل هذا ، إن قال : لا .. لا يقول هؤلاء مثل هذا في حضرة رسول الله r أمام كلام الله وأمام كلام رسول الله r لا .. والله أحب أن يغفر الله لي والله لأردن على مسطح ما كنت منعته عنه من عطاء .
وحين مات المصطفى r وتعطل جيش أسامة ، وبعث أسامة فلقد أمر النبي r أسامة بن زيد بعد ما أمّره على جيش أن يخرج لمناطحة الصخور الصماء، في بلاد الشام، لتأديب قبائل الروم ، والقبائل العربية التي أغارت على حدود الدولة المسلمة، وأمر النبي r على الجيش الحب ابن الحب أسامة ابن زيد، وهو شاب صغير، لم يبلغ ساعتها الخامسة والعشرين اختاره النبي r قائداً وجعل النبي r في هذا التوقيت أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وغيرهم تحت قيادة أسامة – رضي الله عنه وعن أبيه .
فلما توفي المصطفى وتولى الأمر من بعده أبو بكر – رضي الله عنه – توقف بعث أسامة وانتظر أسامة بعد ما سمع بمرض النبي r وتألم كل أفراد الجيش وبعد يومين اثنين كما قال الإمام الطبري بعد يومين اثنين من موت النبي r أمر الصديق بإنفاذ بعث أسامة وقال: يا أسامة اغز حيث أمرك رسول الله r اغز حيث أمرك رسول الله r .. فاعتذر أسامة بأن المدينة مهددة بعد موت النبي r فقال الصديق : والذي نفس أبي بكر بيده لو تخطفتني السباع لأنفذت بعث أسامة كيف أعطل بعثاً بعثه رسول الله ؟! ثم قال : والله لو لم يبق في المدينة غيري لأنفذت بعثاً أمر به رسول الله r ...
يا خالق هؤلاء سبحانك !! يا خالق هؤلاء سبحانك !!
بل يأمر النبي r يوماً على المنبر الصحابة أن يجلسوا ويسمعوا كما في سنن أبي داود بسند صحيح عبد الله بن مسعود ، مازال على باب المسجد ، فهو هناك يسمع قول النبي r: (( اجلسوا )) فجلس، جلس لم يقل : أتقدم حتى أجلس بين يدي رسول الله r لا لا في هذا المكان سمع النبي r يقول : ((اجلسوا)) جلس ((أنصتوا)) أنصت فنادى عليه النبي r: ((تعال يا ابن مسعود، تعال يا ابن مسعود)) وفي رواية قال : (( ما أجلسك؟)) قال :: ها هنا سمعتك يا رسول الله تقول : ((اجلسوا)) فجلست ((أنصتوا)) فأنصت ([3]).
انظروا إلى طاعة هؤلاء .
بل من أروع وأجمل وأجل ما وقفت عليه ما رواه البخاري ومسلم من حديث علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال علي : بعث رسول الله r سرية وجعل عليهم رجلا ... اختار النبي r لهم أميرا ، وأمر النبي r الصحابة بطاعة أميرهم فهو القائل r: (( من أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني )) ([4]).
لكن كثيرا من المسلمين لا يفهمون هذا الحديث النبوي ، ولا يحققون مناطه الذي لا بد منه للربط ربطاً صحيحاً ، بين دلالات هذا النص النبوي ، وبين حركة الواقع المتجددة المتغيرة ، فلا ينبغي أن تكون طاعتك لبشر ، على وجه الأرض غير النبي r - طاعة عمياء إن أمرك هذا تأتمر بدعوى أنه يقول : يقول لك رسول الله : (( من أطاع أميري فقد أطاعني)) ونحتج بالحديث في غير مناطه لا .
انتبهوا يا شباب : فأنا دائما أكرر ، أنا لا أنكر عليك صحة الدليل ، بل أنكر عليك فهمك للدليل وتحقيقك لمناط الدليل لا تكن الطاعة مطلقة إلا لبشر واحد هو المصطفى r أما الطاعة لأي بشر ولو للصديق أبي بكر ، لا تكون أبدا ، إلا إذا كانت هذه الطاعة موافقة لهدى رسول الله r : (( إنما الطاعة في المعروف )) .
فأمر النبي r الصحابة بالطاعة للأمير ، فوجد عليهم : أي غضب عليهم وحزن منهم في أمر ما فقال لهم هذا الأمير: أو ليس رسول الله r قد أمركم أن تطيعوني قالوا : بلى قال: اجمعوا حطباً ، فجمعوا حطباً قال : أوقدوا ناراً ، فأوقدوا الحطب ناراً ، قال الأمير: ادخلوها ، فهم القوم أن يدخلوها طاعة لأميرهم ، بل إن شئت فقل : طاعة لنبيهم r فمن الله عليهم بثياب منهم ، فاهم رزقه الله الفهم ، فالطائفة الأولى أذعنت للدليل وهذا الشاب المبارك بصرهم بفهم الدليل ومناطه فماذا قال ؟ قال : والله ما فررتم إلى رسول الله r إلا خوفاً من هذه النار ، والله ما فررنا وما آمنا بالله ورسوله r إلا لينجينا الله من هذه النار فندخلها قال : لا ، لا تفعلوا حتى نرجع إلى رسول الله r لنخبره ، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها ، فيصبح الأمر هنا من رسول الله r .
لكن انظروا إلى الطاعة ، إن أمركم رسول الله r أن تدخلوا النار فادخلوها فلما رجعوا إلى النبي r أخبروه ، اسمع ماذا قال رسول الله r ؟ قال : (( والله لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف )) ([5])..
تعلموا يا شباب فقد يغرر بابن من أبنائنا بحديث كهذا ويقال له : تعال اقتل فلانا اسفح دم فلان ، بدعوى أنك تخدم الإسلام ، وبدعوى أنك مطيع لهذه الجماعة ، وطاعتك للأمير طاعة للرسول r كلا ، دجل ، كذب ، ضلال ، بهتان ، افتراء ، ليس من دين الله – جل وعلا – فالطاعة لا تكون إلا بالمعروف .
فاسأل الربانيين من العلماء ولا تندرج تحت كلمات لشباب متحمس لا أنكر أنه يريد أن يخدم دينه ، لكن ما هكذا يا سعد تورد الإبل .
فالنبي r يقول كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري في التاريخ والنسائي في السنن من حديث عمرو بن الحمق الخزاعي قال : من أمن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافراً (1) هذا كلام الصادق الذي لا ينطق عن الهوى .
فما يحدث الآن في بلاد الحرمين أو غيرها من بلاد الإسلام ، والله لا أصل له في دين الله ، وهذا أمر مخالف كل المخالفة لقرآن الله ، ولشرع رسول الله r أن تسفك دماء الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال ، باسم الإسلام ، فكم قتل أناس باسم الإسلام ، والإسلام من هؤلاء القتلة براء ، فينبغي أن نرجع إلى الربانيين من العلماء وأن نسمع عن الله ، وعن الصادق رسول الله r حتى لا تضر من حيث تريد النفع وحتى لا تفسد من حيث تريد الإصلاح ، فليس كل مريد للخير يدركه ، نسأل الله أن يدركه للخير وللهدى وللسبيل المستقيم إنه ولي ذلك والقادر عليه والذي نفس محمد بيده قال : (( والله لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف )) .
وها هو عمر – رضي الله عنه – يقبل الحجر – والحديث في البخاري وغيره– يقبل الحجر الأسود في الكعبة وهو يقول : والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك(2).
أختم هذا العنصر الجليل بهذا المشهد الجليل : ذهب النبي r إلى زينب بنت جحش – رضي الله عنها – وطلب منها أن تقبل الزواج من مولاه زيد بن حارثة فأبت زينب وقالت: لا ، ما أنا بناكحته أتزوج مولى وهي الشريفة بنت عمة رسول الله قالت: لا ، ما أنا بناكحته ، يعني لن أتزوجه أتزوج مولى فنزل قول الله – جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } [الأحزاب/36] فلما دعا النبي r زينب وقرأ عليها الآية الجليلة قالت : قبلت يا رسول الله لن أعصي الله ورسوله .
المرة الأولى كان النبي يشفع ، المرة الثانية وجدت نفسها أنها أما طاعة ومعصية فقالت : قبلت يا رسول الله لن أعصي الله ورسوله ، أقبل يا رسول الله ، إنه السمع ، إنها الطاعة ، إنه شعار المؤمنين ، واقع مشرق .
واضطر آسفا أن أهبط بكم هبوطا اضطراريا من هذا الأفق السامي إلى هذا الدرك السحيق في عنصرنا الرابع ، أعرج على هذا بعد جلسة الاستراحة وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك ..
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، اللهم صلّ وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه ، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين .. أما بعد فيا أيها الأحبة الكرام ..
رابعا واقع مؤلم :
والله ما ذلت الأمة وهانت لمن كتب الله عليهم الذل والذلة إلا يوم أن انحرفت الأمة عن طريق نبيها ، والله ما ذلت الأمة وهانت لمن كتب الله عليهم الذل والذلة إلا يوم أن انحرفت الأمة عن طريق نبيها وراحت لتحقق منهج السمع والطاعة لغير الله ورسوله ، فشرقت الأمة مرة وغربت مرة ، وجنحت الأمة نحو الشمال مرة ، ونحو الجنوب مرة ، وظنت أنها بذلك قد ركبت قوارب النجاة ، فغرقت وأغرقت ، واستبدلت بالعبير بعرا ، وبالثريا ثرى ، وبالرحيق حريقا مدمرا ، فأصبحت قصعة مستباحة لكل أمم الأرض وانتهك عرض رجالها وانتهك عرض نسائها ودنست مقدساتها ، وطمع فيها البعيد قبل القريب والذليل قبل العزيز ، والضعيف قبل القوي ، وجاءت كل أمة لتسرق من هذه الأمة المسكينة قطعة والواقع لا يحتاج إلى مزيد بيان .
فما من مسلم يعيش الآن إلا ويحمل قي صدره قلباً ، إلا وهو يعلم هذا الواقع ، فالواقع أليم مرير ، أصبحت الأمة الآن تتأرجح في الطريق بعد أن كانت في الأمس القريب ، الدليل الحاذق الأريب في كل الطرق ، بل في الدروب المتشابكة في الصحراء المهلكة، التي لا يهتدي أبدا بالسير فيها بسلام وأمان إلا الأدلاء المجربون .
وأصبحت الأمة تتسول على موائد الفكر البشري بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب جدا منارة مشرقة تهدي الحيارى والتائهين ، ممن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل وأرهقهم طول المشي في التيه والظلام بعيدا عن منهج الله ، وعن منهج رسول الله r .
لماذا ؟ لأن الأمة انحرفت وتنكبت الطريق ، لذا فسبيل النجاة في عنصرنا الأخير : هو أن ترجع الأمة من جديد لتسير خلف رسول الله r ، فدين الله الذي هو الإسلام مبني على أصلين لا ثالث لهما .
الأول :أن تعبد الله وحده لا شريك به .
الثاني : أن نعبده بما شرعه على لسان رسوله r .
وهذان الأصلان هما حقيقة قولنا : نشهد أن لا إله إلا الله ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله ، فبالشهادة الأولى يعرف المعبود – عز وجل – وبالشهادة الثانية نتعرف على الطريق الذي يتوصل منه إلى المعبود – عز وجل – هذا الطريق هو طريق محمد بن عبد الله r .
سبيل النجاة أن نرجع إلى الله ، وأن نسير من جديد على درب رسول الله r وأن نردد مع الصادقين السابقين الأولين قولتهم الخالدة : { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة/285] .
أيها الأحبة : لن تنصر الأمة أبدا على أعدائها إلا إذا حولت هذا المنهج النظري التربوي ، إلى منهج عملي ، يوم أن حول الجيل القرآني الفريد منهج السمع والطاعة إلى منهج حياة حتى سادوا الأرض ، وفي نصف قرن تمكنوا من نصف الأرض ، وتحولوا من رعاة للإبل والغنم ، إلى قادة للدول والأمم ، وما زال منهج الله – جل وعلا – موجودا بكماله وتمامه ، فإن أرادت الأمة النهوض والسيادة والسعادة والكرامة والنجاة ، فها هو المنهج فترجع من جديد .
والله أسأل أن يرزقنا وإياكم الإخلاص والصدق في الأقوال والأعمال والأحوال وأن يردنا جميعا وأمتنا إلى هذا الدرب ردا جميلا .
==================
محمد حسا |
| |
|