الحمد لله الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها وجعل بيننا مودة ورحمة، أحمده حمد الشاكرين وأصلي وأسلم على خير البرية وأزكي البشرية صلاة وسلاماً دائمين ما دامت السموات والأرض أما بعد:
أرقام مفزعة ونسب مروعة وحقائق تدل على المستوى المتدني في أخص جوانب حياتنا الزوجية، سبعون بالمائة من النساء يرين انتشار الحديث في الأمور الخاصة بين الزوجين سواء كان ذلك تصريحاً أم تلميحاً!! وخمس وستون بالمائة منهن يرغبن في الخوض في مثل هذه الأحاديث!
ولم يقتصر الأمر على المجالس فقط، بل تعدى ذلك إلى أن تنقل الجمل الهابطة والعبارات الساقطة والتي يستحي الزوج أحياناً أن يقولها لزوجته.. من خلال الجوال! فلا حول ولا قوة إلا بالله.. ماذا بقى من أسرار لم تفش.. وماذا بقي للإنسان من أخبار لم تبد.. كيف يليق بالمسلمة أن تخوض في الأحاديث الرخيصة؟ كيف يليق بالعاقلة الرزان أن تنزل إلى مستوى الاستهتار والمجون والكلام التافه؟.
أين الحياء الذي هو جمال المرأة ورونقها؟! أين العفة التي هي بهاء الفتاة وحسنا؟! أين مراقبة الله تعالى والخوف من عقابه؟!
فيعلم الله.. كم من المشاكل وقعت وكم من المصائب حلت وكم من الزيجات انفصلت بسبب هذه الأحاديث والأخبار التي تدور في فلك فراش الزوجية المصون من العزيز الجبار.. أيليق بالمسلمة التي عرفت عظم الوقت وأنه أثمن من أن يضع في مثل هذه الأعمال الوضيعة التي لا تصدر إلا عن الفارغين والفارغات والتافهين والتافهات.
أي فخر يكون بكشف السوءات؟ وقد قيل إنها سميت السوءة سوءة لأنه يسوء الإنسان كشفها.. والمرأة العاقلة تأبى كشف سوءتها فطرة وعقلاً مع ما جاء في الشرع من تأكيد ذلك فكيف يسوغ إبداؤها بالحديث عنها، كأن السامع ينظر إليها؟
لا بد للمسلمة أن تربأ بنفسها أن تكون من هذا النمط من الناس الذين وصفهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بشر الناس في قوله: "إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه"رواه مسلم.
بل إفشاء هذه الأسرار قد يؤدي بالمرأة إلى النار كما روى الإمام أحمد في مسنده (3/353) عن جابر قال: "بينما نحن مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في صفوفنا في الصلاة ـ صلاة الظهر أو العصر ـ فإذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتناول شيئاً ثم تأخر فتأخر الناس فلما قضى الصلاة قال له أبي بن كعب شيئاً صنعته في الصلاة لم نكن نصنعه؟ قال: عرضت على الجنة بما فيها من الزهرة والنضرة فتناولت منها طبقاً من عنب لآتيكم به فحيل بيني وبينه ولو آتيتكم به لأكل منه من بين السماء والأرض لا ينقصونه شيئاً ثم عرضت على النار فلما وجدت سقمها – يعني حرها – تأخرت عنها وأكثر من رأيت فيها النساء اللاتي إن ائتمن أفشين وإن يسألن بخلن وإن يسألن الحفن".
وهل أعظم من أمانة فراش الزوجية والاحتفاظ بأخباره ومجرياته؟ فلماذا تفتحين على نفسك باباً إلى النار؟ هل تودين يا أخية أن تكوني من أهل النار.؟
يا أخية: تأملي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم"رواه البخاري.
هل يا ترى تلك الأحاديث التي تتحدث عن أسرار الزوجين الخاصة من رضى الله تعالى أم من سخطه؟ هل إبداء أسرار فراش الزوجية يؤدي إلى النعيم أم إلى نار الجحيم؟
إذن لماذا تسلكين هذا المسلك الذي نهايته مظلمة وخاتمته بائسة؟.
يا أخية: قد تتصورين أن الكلام في مثل هذه القضايا الخاصة يجذب إليك الأنظار، ويلفت إليك الأبصار؟
وأقول: ثم ماذا بعد... ماذا بعد أن يسخط عليك العزيز الجبار.. ماذا بعد أن أغضبت الملك القهار.. ماذا لو رضي الخلق كلهم ورب الناس عليك ساخط! كيف تحرصين على إرضاء من هو تراب بسخط الملك الوهاب؟
عن عائشةـ رضي الله عنهاـ أن رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ قال: "من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس"رواه ابن حبان في صحيحه والترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
ثم اعلمي – يا رعاك الله – أن كل الذين يتناقلون هذه الأخبار وتلك المواقف والأسرار والتي تغضب الملك الجبار ستحاسبين أنت عليها لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "من سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء"رواه مسلم.
فهل أنت بحاجة إلى أن تحملين نفسك أوزار غيرك من الناس؟ إذن التزمي وصية نبيك محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حينما قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"رواه مسلم.
أحكام إفشاء أسرار الزوجية؟
بعد هذه الجولة الإيمانية بقي أن نتعرف على ما يجوز وما لا يجوز نقله من أخبار الحياة الزوجية فأقول وبالله التوفيق:
إفشاء أسرار الزوجية على أقسام:
القسم الأول: أن تكون هذه الأسرار فيما يتعلق بأمور الاستمتاع بين الزوجين، ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع وإفشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقع. فهذا الحديث فيها نوعين:
النوع الأول: إذا كان الحديث بلا حاجة فلا يجوز الكلام فيها في المجالس للحديثين السابقين. قال الإمام النووي - رحمه الله- في شرح صحيح مسلم"وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه".
وقد مثل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الزوجين اللذين يتحدثان عن أسرار الفراش كمثل شيطان وشيطانة تلاقيا في طريق ماء فجامعها بمرأى من الناس، فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والرجال والنساء قعود عنده فقال: "لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها" فارم القوم – يعنى سكتوا ولم يجيبوا – فقلت: أي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون. قال: فلا تفعلوا فإنما ذلك مثلا الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون".
فهذا نهي صريح عن كشف أسرار الفراش فكان هذا الكشف والإفشاء صورة جنسية معروضة في الطريق والفتنة الشيطانية المعروضة في الطريق العام تتوق إليها النفوس الآثمة وتنفق في سبيل الحصول عليها الأموال الطائلة.
كما أنها نوع من المجاهرة، وسبب لتجرؤ السفهاء وإماطة اللثام عن الحياء.
النوع الثاني: إن كان الحديث فيها لإثبات حق أو رفع ظلم كأن تكون أمام القاضي أو من اتفقا على أن يكون المصلح بينهما فتنكر المرأة نكاح الزوج لها وتدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك فهذا لا بأس بالحديث فيه لما يلي:
- روى البخاري في صحيحه أن رجلاً ادعت عليه امرأته العنة فقال: والله يا رسول الله إني لأنقضها نقض الأديم ولكنها ناشز تريد رفاعة ولم ينكر عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
- روى مسلم في صحيحه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأبي طلحة "أعرستم الليلة".
القسم الثاني: إن كانت الأسرار فيما عدا ذلك فهو أيضاً على أنواع:
النوع الأول: إن كان الحديث في وصف الأزواج خلقياً فلا يجوز لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها"رواه البخاري. والمحذور نفسه موجود عند النساء فإذا استغرقت المرأة في وصف زوجها وجماله وبهائه قد يحدث في نفوس الحاضرات ما لا تحمد عقباه من الحسد ونحوه.
النوع الثاني: إن كان الحديث في وصف الأزواج خلقياً فهو بين أمرين:
الأول: إن كان الحديث ذماً: كوصفه بالبخل أو الجهل أو الغلظة فهذا لا يجوز إلا إذا كان على سبيل الشكاية لمن يريد الإصلاح كالقاضي ونحوه لأنها من الغيبة والغيبة كما هو معلوم ذكرك أخاك بما يكره وهي محرمة.
الثاني: إن كان الحديث مدحاً: فهذا على حسب المصلحة إن كان في الحديث عن صفاته منفعة فلا بأس وإلا فلا خوفاً من ترتب المفاسد التي ذكرت في التحقيق المفيد التي أجرته المحررة – وفقها الله تعالى– فإن قال قائل: حديث أم زرع وكلام النسوة في أزواجهن فقد دار حديثين مدحاً وذماً في الأزواج والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم ينكر ذلك مما يدل على جواز الحديث في مثل هذه الموضوعات؟
والجواب من وجوه:
أولاً: أن الحديث جاء على هيئة الخبر، فالنبي - صلى الله عليه وسلم- كان يسمع ما تقول عائشة - رضي الله عنها- عن حال هؤلاء النسوة المجهولات وما دار بينهن من الحديث.
ثانياً: القاعدة تقول: لا غيبة لمجهول فالنساء لا يعرفن وكذا الأزواج لا يعرفون فهذا انتفى المحذور. ذكر النووي في شرح مسلم: قال"قال المازري: قال بعضهم: وفيه أن هؤلاء النسوة ذكر بعضهم أزواجهن بما يكره، ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم أو أسمائهم و وإنما الغيبة المحرمة أن يذكر إنساناً بعينه، أو جماعة بأعيانهم، قال المازري وإما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم- سمع امرأة تغتاب زوجها، وهو مجهول فأقر على ذلك.. وأما هذه القضية فإنما حكتها عائشة عن نسوة مجهولات غائبات، لكن لو وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه، وهو معروف عند السامعين كان غيبة محرمة فإن كان مجهولا لا يعرف بعد البحث فهذا لا حرج فيه عند بعضهم كما قدمنا، ويجعله كمن قال: في العالم من يشرب أو يسرق قال المازري: وفيما قاله هذا القائل احتمال قال القاضي عياض: صدق القائل المذكور فإنه إذا كان مجهولاً عند السامع ومن يبلغه الحديث عنه لم يكن غيبة، لأنه لا يتأذى إلا بتعيينه، قال: وقد قال إبراهيم: لا يكون غيبة ما لم يسم صاحبها باسمه، أو ينبه عليه بما يفهم به عنه، وهؤلاء النسوة المجهولات الأعيان والأزواج لم يثبت لهن إسلام فيحكم فيهن بالغيبة لو تعين فكيف مع الجهالة والله أعلم.
وأخيراً لابد أن تعلم المرأة المسلمة أن حفظ السر بحد ذاته من الفضائل والكمالات، وإفشاءه من المثالب والأخطاء والعيوب، يقول الماوردي في الاسترسال بإبداء السر دلائل على ثلاث أحوال مذمومة:
إحداها: ضيق الصدر وقلة الصبر حتى إنه لم يتسع للسر ولم يقدر على صبر، وقال الشاعر في ذلك:
إن المرء أفشى سره بلسانه.. ولا عليه غيره فهو أحمق إذا ضاق صدر المرء عن سر نقدمه.. فصدر الذي يستودع السر أضيق.
الثانية: الغفلة عن تحذر العقلاء، والسهو عن يقظة الأذكياء، وقال بعض الحكماء: انفرد بسرك ولا تودعه حازماً فيزل ولا جاهلاً فيخون.
الثالثة: ما ارتكبه من الغرر، واستعمله من الخطر، وقد قال بعض الحكماء: سرك من دمك فإذا تكلمت به فقد أرقته.
ولقد أدى إفشاء الحديث الذي أسره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حفصة ونقلته إلى عائشة وما تبع ذلك من تآمر ومكايدات في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلى اعتزال النبي - صلى الله عليه وسلم- نساءه شهراً من شدة موجدته عليهن وفي ذلك يقول الله – تعالى-:"وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير"التحريم 3.
ثم يواجه المرأتين بخطئهما ويدعوهما إلى التوبة لتعود قلوبهما إلى الله بعد أن بعدت عنه بما كان منهما وإلا فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير" التحريم.
إن في هذا الحادث لتوجيهاً بليغاً للمرأة المسلمة بقيمة حفظ سر زوجها وأثر هذا الحفظ في استقرار النفوس والضمائر والبيوت. فهل تعي ذلك نساؤنا؟
أسال الله تعالى ذلك وأن يستر عوراتنا ويؤمن روعاتنا والله أعلم وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
==================
محمد الهبدان