أن تكونَ قلةُ الكتابةِ - كما ذكرَ أحدُ الباحثين - مشكلةٌ وحلُّها في اِقتحامها، فإنّ كثرةَ الكتابةِ بلا همِّ فائق أو معنىً رائق؛ باقعةٌ، وحلُّها في تركِها لأهلِها، أو اِقتِحامُها بحقِّها ومُستَحَقِّها.
إنّنا ونحنُ نعيشُ في عصرِ طفرةٍ لوسائلِ النشرِ السريعةِ والمُتاحة، الورقيِّ والاِلكترونيِّ منها، قد دخلَ في هذا المجال - أعني مجال الكتابة - من ليسَ أهلاً، وخاضَ غِمارهُ من لا يملِكُ فيهِ خُفاً ولا نعلاً.
فظهرت كتاباتٌ سطحيةٌ هزيلة، وانتشرت مقالاتٌ همَجيةٌ عليلة، ناهيكَ عمّن خانَ أمانةَ القلَمِ، واقتحمَ أسوارَ النمْنَمةِ والكتابةِ والتبييض دونَ حظٍ من دِيانة، أو نصيبٍ من أخلاقٍ وإيمان.
ومن وزّعَ النظرَ فيما يكتبهُ هؤلاء أدركَ أنّ القومَ لا يعرفونَ منَ الكتابةِ إلاّ اِسمها، ولا يعرفونَ عن أمانةِ القلَمِ إلاّ وسمَها وإلاّ؛ كيفَ يُسمّى كاتباً من أدامَ السرِقة الأدبية وأدمنَ الاِختلاسَ الفكريّ - غيرَ مرةٍ - دونَما إشارةٍ أو إسنادٍ..؟!.
عليهِ، كانَ ضرورياً ومُلِحاً وواجباً أن يتنادى الغيُورينَ في الأمةِ على مُستقبَلِ الكلِمةِ ونصاعتِها ورِسالتها، بصوتٍ مُرهَفٍ مسموع، ولَفظٍ بليغٍ مسجوع: من يأخُذِ القلَمَ بحقِّه؟.
ألاَ وإنّ حقّ القلَمِ مُرتبِطٌ بحقِّ خالقِ القلَمِ - سبحانه وتعالى -، وإنَّ من حقِّهِ: تعليمُ الجاهلِ، وتذكيرُ الغافلِ، ودَحضُ الباطلِ وتشتيتِهِ، ونَسْفُ الضلالِ وتفتِيتِه.. بأمانةٍ وعلمٍ وحُجّةٍ ورويّة.
فَحريٌ بِمَن يحملُ رسالةً شرعيةً سامية، ويحْتوِشُ لغةً أدبيةً نامية، أن يُشارِكَ في الأخذِ بحقِّ القلَم، وأن يُساهِم في انتشالَِهِ من أيدي المُتلاعبينَ بهِ والمُسيئينَ له.
كما ينبغي لحاملي الأقلامِ الرزينة أن يخوضوا ميدانَ الكتابةِ والتعليم، والتوجيه والمُنافحةِ والذودِ عن دينِ الله وحمايةِ حياضِ العقيدةِ ورياضِها، والصبرِ على الأذى في ذلك.
طعّانٌ بأطرافِ القوافي كأنَّهُ طعّانٌ بأطرافِ القنا المُتكسِّرِ
لأننا - كما أسلفتُ - نعيشُ واقعاً كثُرَت فيهِ الأقلام، وتعدّد فيهِ الكُتّاب، واختلطَ الغثُّ بالسمين، وامتزجَ الحابلُ بالنابل، تحتَ عناوينَ جذّابة، ومواضيعَ خلاّبة، زيادةً في التدليس.
وإمعاناً في المُبالغةِ والتلبيس، سهّلَ ذلكَ ويسّره وجودُ وسائلَ نشرٍ تهتمُّ بالكاتبِ دونَ المكتوب، وتحتفي بالناشرِ غيرَ مُباليةٍ بالمسطورِ والمنشور.. واللهُ المستعان. ومهما يكُن، فإنّ ثمةَ أقلامٌ عفيفة، وكتاباتٌ شريفة، ومقالاتٌ لطيفة.
أخذَت بحقِّ القلمِ، وقامت بأداءِ واجبهِ الأدبيِّ والشرعي، مُراعيةً حقّ اللهِ وحقّ المسئوليةِ المُناطةِ بها.. فكانَ لها - عاجلاً - شرفُ الرِّفعةِ والمنزلةِ والمَكانةِ والإمامةِ في الدين.
وإنّا لنرجو الله لهم - في الآخرةِ - القبولَ والعفوَ والمُعافاة، وقديماً قيل:" أمرُ الدينِ والدنيا تحتَ شيئين: قلمٌ وسيْف ".
======================
عبدالرحمن السيد