موضوع: لا بديل عن لبن الأم الثلاثاء أغسطس 03, 2010 1:54 am
(قد لا يمثل موضوع النمو الجسمي أهمية كبيرة لبعض الدارسين لسيكولوجية نمو الأطفال، خاصة أولئك الذين يعتقدون أن البيئة والعوامل الخارجية ذات تأثير كبير في تشكيل سلوك الطفل، ولكن النمو الجسمي له من الأهمية مثل باقي نواحي النمو الأخرى، بل إن فهم ظاهرة النمو الجسمي عملية هامة وحيوية لفهم عملية النمو كلها، خاصة وأن أبعاد النمو مرتبطة، كما تؤثر في بعضها البعض) [علم نفس النمو، د. سيد محمود الطواب ص(167)].
وما دام للنمو الجسمي للطفل هذه الأهمية الكبيرة، وله تأثيره الواضح على باقي جوانب النمو، فتعال معي عزيزي المربي نتعرف على أخطر وأهم عامل من عوامل نمو الطفل الجسمي، ألا وهو "الرضاعة الطبيعية". كما قرأت عزيزي المربي عنوان مقالتنا، لا بديل عن لبن الأم! ولكن لماذا لا بديل عنه؟ لماذا، أولًا على المستوى الصحي للطفل؟ لماذا، ثانيًا على المستوى الإنفعالي والنفسي للطفل؟ ثم ما هي هموم الأمهات حول الرضاعة الطبيعية ولماذا يمتنع كثير من الأمهات عنها، ثم ما هي أمارات وعلامات الرضاعة الطبيعية للطفل، كل هذا ما ستعرف عزيزي المربي من خلال مطالعتك لهذه السطور. ولكن دعني أبدأ حديثي معك عزيزي المربي بقول الله - تعالى -وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) [البقرة: 233]. هكذا بين لنا المولى - سبحانه وتعالى - في هذا الكلام المعجز أهمية الرضاعة الطبيعية، ووضح لنا صورتها المثلى وهي أن ترضع الأم طفلها عامين كاملين. وأثبتت الدراسات صدق الوحي المنزل، والكلام المرتل من فوق سبع سماوات وأثبتت الفوائد الصحية للرضاعة الطبيعية بل وأثبتت أيضًا الفوائد النفسية لها، فتعال معي عزيزي المربي لنتعرف على هذه الفوائد: أولًا: الفوائد الصحية للرضاعة الطبيعية: (هاهي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال توصي بأن تستمر الرضاعة الطبيعية للإثني عشر شهرًا الأولى على الأقل من عمر الطفل، ويتفق معظم الخبراء على أن فترة الأشهر الستة من الرضاعة الطبيعية قادرة على منح الطفل معظم الفوائد الطبيعية، وأن أي كمية أفضل من لا شيء على الإطلاق. يقول الدكتور سبوك: "عندما بدأ إنتاج ألبان الأطفال فإن المصانع قدمتها للناس على أنها الأسلوب العملي لتغذية الرضيع، ولكن العلم اكتشف في العشرين سنة الأخيرة عكس ذلك تمامًا، فلبن الأم أكثر سلامة من الألبان الصناعية لمعظم الأطفال، ولبن الأم يحتوي على الأجسام المضادة والمواد الأخرى التي تساعد الرضيع على مقاومة الأمراض، كما أن الحديد الموجود في لبن الأم يكون في صورة يسهل على معدة الطفل امتصاصها وكان على منتجي الألبان الصناعية إضافة المزيد من الحديد إلى نفس مقدار اللبن للتأكد من أن الطفل سيستفيد منه، وقد تكون بعض المواد الكيماوية في لبن الأم من الأهمية بمكان لنمو مثالي للمخ وتحتوي الألبان الصناعية الأحدث "والأغلى ثمنًا" على بعض هذه المواد، وإن كان لبن الأم لا يزال يحتوي على الكثير من المواد المختلفة التي لا يمكن لأي منتج للألبان الصناعية أن يبتكرها. وقد توصلت بعض الدراسات العلمية إلى أن الأطفال الذين يرضعون طبيعيًا هم الجملة الأكثر ذكاءً من أولئك الذين تربوا على الألبان الصناعية، وقد يرجع ذلك إلى أن لبن الأم نفسه يحسن من نمو المخ، أو ربما تكون الأمهات اللاتي يخترن إرضاع صغارهن يكون معدل ذكائهن أعلى وهكذا يشب أطفالهم أيضًا) [د. سبوك لرعاية الطفل، ص(242-243)]. ثاينًا: الفوائد النفسية للرضاعة الطبيعية: 1. أثر الرضاعة الطبيعية على الاستقرار النفسي للطفل: (أثبتت الدراسات أن الأطفال الذين ينعمون بقدر وافر من الرضاعة يكونون أكثر هدوءًا، وأقل توترًا ممن يحرمون من هذه المتعة، كذلك تقل حركة المولود العشوائية أثناء الرضاعة، وأكدت دراسات عديدة أن حرمان الوليد من الرضاعة قد يطور جهازًا عصبيًا يميل إلى التوتر كما ثبت أن المواليد الذين يحرمون من دفء صدر الأم أثناء الرضاعة يكونون أقل توافقًا فيما بعد) [السنوات التكوينية، د. محمد عماد، الدين إسماعيل ص (171)]. (وتشير البحوث إلى أن الرضاعة الطبيعية بخاصة في العام الأول تفضل عن الرضاعة الصناعية لأنها تضاعف من جوانب المتعة في مواقف التغذية، ولأنها تقوى الرابطة الانفعالية والاجتماعية بين الأم والطفل، ويختلف توقيت وطريقة الغذاء عند الطفل من مجتمع إلى آخر ويتحول الطفل تدريجيًا من الرضاعة إلى تناول الأغذية الصلبة، وعندما يبلغ الطفل سنة واحدة من العمل من المحتمل أن يثبت نظام الثلاث وجبات، وربما يظهر الطفل تفضلات طعامية واضحة وكذلك يرغب معظم الأطفال في تناول غذائهم بأنفسهم محاولين استخدام اليدين في ذلك) [الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة، د. محمد عبد الظاهر الطيب، ص(22)]. 2. الرضاعة الطبيعية وغريزة المص: (يعتبر الكثيرون أن غريزة مص الأشياء عند الأطفال موجهة فقط لإشباع حاجتهم إلى الطعام، إلا أن بعض الباحثين يؤكدون أن حاجة الأطفال للمص ليست مرتبطة بشعور الجوع فقط لذلك، فإذا أطعم الطفل كل أربع ساعات مرة واحدة يكون سلوكه أكثر اضطرابًا، وذلك ليس بسبب شعوره بالجوع بمقدار ما هو نقص في إشباع حاجة المص لديه، أما إذا خفضت الفترات الفاصلة بين الإطعام حتى ثلاث ساعات مع المحافظة على كمية الطعام التي يتناولها الطفل في الحالة الأولى نفسها، فإنه يصبح أكثر هدوءًا ومن المعروف جيدًا أنه إذا أرضع الطفل من زجاجة بفوهه واسعة لخروج الحليب أو إذا كانت حلمة ثدي الأم ضعيفة، بشكل يؤدي إلى اكتفاء الطفل من الغذاء بسرعة فإن ذلك يؤدي إلى نمو عادة مص الأصابع عنده، أو تناول أي مادة يقع عليها بصره، ومن المحتمل أن يكون الإنسان قد ابتكر بزازة الامتصاص من أجل إشباع حاجة المص عند الأطفال وهكذا فإن انفعالات الطفل الصغير التي ترافق عملية المص بالغة الأهمية ليس فقط من أجل تغذيته السليمة وإنما تعتبر عاملًا هامًا في تطور العلاقات الحميمة مع الأم ومنبعًا أساسيًا للأحاسيس العاطفية الإيجابية) [تربية مشاعر الأطفال في الأسرة، ترجمة د. عبد المطلب أبو سيف ص(35)]. 3. تنظيم الرضاعة النمو النفسي للطفل: (يستطيع الطفل الوليد امتصاص حلمة الثدي بعد الولادة بفترة قصيرة جدًا، ورضاعة الثدي بالنسبة للطفل مصدر لذة كبيرة من حيث هي وسيلة الأكل الطبيعية، وقد وهب الله الطفل الرضيع نضجًا مبكرًا في شفتيه، فهو يفرح ويأمن عن طريق الفم حيث يستولي على الثدي ويغضب حين يسحب منه وعملية الرضاعة عملية هامة في نمو الطفل النفسي، ومن ثم وجب تنظيمها والتنظيم يقتضي أن لا يقدم الثدي للطفل حسب طلبه أو حين يريد إسكاته عن البكاء لسبب غير الجوع، لأن معنى ذلك أننا نعوده على أن يتخذ البكاء وسيلة لإشباع رغبته ومن ثم يتعلم العناد وتسمى عملية تعليم الرضاعة في الطفولة عملية تمهيدية لتعليم، وتعويد الطفل على النظام في المستقبل. وعلى أي حال تعد عملية الرضاعة عملية معقدة فبالإضافة إلى ضرورة شعور الطفل بحنان الأم وعطفها أثناء الرضاعة، وبالإضافة إلى ضرورة تنظيم المواعيد بما يتفق مع قدرة الطفل ورغبته فهو في حاجة إلى أن يتمتع بعملية المص) [علم نفس الطفولة ومشكلاتها، د. أحلام حسن محمود- د. أحمد شعبان محمد ص(116)]. لماذا تمتنع الأمهات عن الرضاعة الطبيعية؟ 1. ضعف الثقة بالنفس. تبدأ كثير من الأمهات في إرضاع أطفالهن وهن لا يزلن بالمستشفى، ثم يستمررن بعد ذلك لفترة قصيرة ثم يفقدن حماستهن ويتوقفن عن الرضاعة الطبيعية وعندئذ يقلن: "ليس لدي ما يكفي من اللبن "أو" يبدو أن ما أقدمه للطفل من اللبن لا يروق له "أو" كلما نما طفلي أصبح اللبن غير كاف لإشباعه". وما لم يكن لدى الأم ثقة كبيرة بالنفس، فإنها ستظل تتسائل عما إذا كانت ستفشل في مهمتها ومعنى آخر، فهي تتوقع أن ترى بوادر الفشل ولو أن طفلها بكى يومًا ما أكثر من المعتاد، فسيذهب تفكيرها إلى أن لبنها قد تناقص، وإذا ظهر طفح جلدي عند الطفل أو سوء هضم أو مغص قولوني لبادرت إلى الشك في لبنها. إن السبيل إلى نجاح الرضاعة الطبيعية هو اللجوء إلى الرضاعة الطبيعية، والابتعاد عن الغذاء الصناعي إلى أن يصبح اللبن الطبيعي متوافرًا بشكل مستقر، ويوجد حاليًا في كثير من المستشفيات خبراء ومستشارون في عمليات إفراز اللبن وهم مستعدون، لتقديم المشورة إلى الأمهات المرضعات كما أن أغلب الأطباء والممرضات الممارسات على دراية تامة بكيفية المساعدة في نجاح الرضاعة من الثدي. 2. الأم العاملة. من الطبيعي أن الأم العاملة خارج المنزل يمكن أن يشكل عملها حاجزًا أمام الرضاعة الطبيعية، وحتى معرفة الأم بأنها ستعود في نهاية الأمر إلى عملها كافية لصد الكثير من الأمهات عن البدء والتمسك بالرضاعة الطبيعية، على أنه بالتخطيط السليم والتصميم سيكون من الممكن دائمًا استمرار الرضاعة الطبيعية، وتستطيع الكثير من الأمهات أن يواظبن على الرضاعة من الثدي في المساء والصباح بينما يقوم من يرعى الطفل بتقديم الزجاجات أثناء النهار. 3. الحالة الصحية. قد نسمع من وقت لآخر من يقول إن الرضاعة ترهق السيدة المرضعة كثيرًا، وكثير من الأمهات يشعرن بالإرهاق فعلًا في الأسابيع الأولى للإرضاع ولكن هذه هي حال الكثيرات ممن يرضعن الأطفال بالزجاجات، والواقع أن الأمهات يسترددن بعد قوتهن تمامًا بعد الولادة وفترة البقاء في المستشفى كما أن الشد العصبي المرتبط بالعناية بالوليد الجديد ما يسبب الإرهاق. وصحيح أيضًا أن الثديين يقومان بإمداد الرضيع بعدد كبير من السعرات الحرارية يوميًا مما يحتم على الأم أن تأكل أكثر من المعتاد حتى تحتفظ بقوتها ووزنها. إن الأمهات المرضعات بحاجة دائمًا إلى العناية الجيدة بأنفسهن وخلال هذه الفترة يكون من المفيد نزع أسلاك التليفون والخلود إلى غفوة عندما يغفو الرضيع وترك أعمال المنزل ونسيان الالتزامات والهموم الخارجية، وتحديد الزائرين بواحد أو اثنين من المقربين جدًا وتناول الأطعمة والأشربة بتعقل. أمارات النجاح في الرضاعة الطبيعية: قد يكون من الصعب معرفة ما إذا كان طفلك يحصل على ما يكفيه من لبن الثدي وخاصة في البداية وتشمل علامات سير الرضاعة على ما يرام ما يلي: 1. أن يرضع الطفل كل ساعتين أو ثلاث "أو أكثر من ذلك" ولمدة عشر دقائق أو أطول من ذلك. 2. أن تسمعي أصوات المضغ والبلع أثناء الرضاعة وتشعري بأن الثدي يتم تفريغه. 3. أن يتبرز الطفل من ثلاث إلى أربع مرات على الأقل ويكون قوام البراز رقيقًا أو محببًا وله لون المسترده. 4. أن يبلل ست حفاضات على الأقل يوميًا. 5. أن يبدو الطفل نشيطًا وسعيدًا أثناء صحوه) [د. سبوك، لرعاية الطفل، ص(270)].