موضوع: دلائل محبة النبي الأربعاء يوليو 07, 2010 1:45 am
الخطبة الأولى:
أما بعد:
أيها المؤمنون، إن الله تعالى أرسل محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين أرسله الله تعالى على حين فترة من الرسل وانطماس من السبل فهدى الله به إلى أقوم الطرق وأوضح السبل أوحى الله إليه: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنْذِرْ)(1) فلم يزل - صلى الله عليه وسلم - قائماً بأمر ربه ومولاه لا يرده عن ذلك راد، داعياً إلى الله لا يصده عنه صاد، يبلغ دين الله ورسالته لا يخشى فيه لومة لائم، أوذي في الله أبلغ الأذى في نفسه وماله وأهله وأصحابه، كذبه قومه وعابوه وسفهوا رأيه وضللوه، حاولوا قتله وسجنه، أخرجوه من بلده طريداً سليباً، ثم قاتلوه وحاربوه فكسروا رباعيته وشجوا رأسه وأدموا وجهه فكان يقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))(2).
فتحمل في سبيل تبليغ دين الله وهداية عباد الله صنوف المشاق وألوان الأذى، فكان عاقبة أمره فوزاً ونصراً، فأشرقت برسالته الأرض من ظلماتها هدى الله به من الضلالة وبصّر به من العمى، فأنقذ الله به من آمن به واتبعه من النار (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(3).
أيها المؤمنون عباد الله، إن من آكد حقوق محمد بن عبد الله النبي الأمي الذي أنقذكم الله به من النار وهداكم به من الضلالة، محبته - صلى الله عليه وسلم - محبة قلبية صادقة ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين))(4).
فحق على كل مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحب النبي - صلى الله عليه وسلم - محبة يتجلى فيها إيثار النبي - صلى الله عليه وسلم - على كل محبوب من نفس ووالد وولد والناس أجمعين، فحب النبي محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - من أعظم واجبات الدين، وهي فرع عن محبة الله تعالى وتابعة لها.
أيها المؤمنون، إن لمحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - علامات ودلائل تظهر حقيقة المحبة وصدقها، ومن أبرز هذه العلامات متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أعماله وأقواله وأخلاقه وجميع شأنه قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)(5).
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحيا سنتي فقد أحبني، ومن أحبني كان معي في الجنة))(6) رواه الترمذي.
فمن أحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محبة صادقة من قلبه أوجب له ذلك تمام المتابعة فتجد المحب الصادق في محبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - معظماً لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - عاملاً بها حريصاً عليها في دقيق الأمر وجليله لا يعدل بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهديه شيئاً من الأقوال أو الآراء نسأل الله العظيم من فضله.
أيها المؤمنون، إن من دلائل محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - الإكثار من ذكره فذكره - صلى الله عليه وسلم - سبب لدوام محبته في قلب العبد وتضاعفها فالعبد كلما أكثر ذكر المحبوب واستحضر محاسنه زاد حبه له وشوقه إليه.
أيها المؤمنون، إن ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي تزداد به محبته والإيمان به يكون بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(7) لا سيما عند ذكره - صلى الله عليه وسلم - فإنه قد قال: ((البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي))(.
ومن ذكره - صلى الله عليه وسلم - معرفة سيرته وأيامه وأحواله وما جرى له فسيرته - صلى الله عليه وسلم - من أسباب زيادة محبته - صلى الله عليه وسلم -.
أيها المؤمنون، إن من دلائل محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - نصرته والذب عنه وعن شريعته وتأييده ومنعه - صلى الله عليه وسلم - من كل ما يؤذيه وبغض أعدائه والمعاندين لشريعته، قال الله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ)(9)، وتعزيره يكون بنصره وتأييده، وتوقيره يكون بإجلاله وإكرامه - صلى الله عليه وسلم -.
أيها المؤمنون، إن من علامات محبته الشوق إلى لقائه وتمني رؤيته، ففي صحيح مسلم قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله))(10). هذه بعض علامات محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - محبة صادقة، نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا محبة نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون، إن محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - حق واجب وفرض لازم على كل مؤمن ومؤمنة لا يتم إيمان العبد إلا بها.
أيها المؤمنون عباد الله، إنه ليس من محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء الغلو فيه - صلى الله عليه وسلم - بل الغلو فيه مضادة لشرعه، ومحادة لله ورسوله، مخالفة لأمره ومشاقة له - صلى الله عليه وسلم - ففي صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله))(11)، وقال - صلى الله عليه وسلم - لقوم أثنوا عليه فأطنبوا: ((قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان))(12).
فليتق الله قوم غلوا في النبي - صلى الله عليه وسلم - فابتدعوا في دين الله ما ليس منه، وشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله فأطنبوا في مدحه والثناء عليه ووصفه بما لا يجوز أن يوصف به إلا الله تعالى رب العالمين، فوقعوا في الشرك بالله.
ليتق الله قوم ادعوا محبة النبي كذباً وزوراً، فجعلوا الاحتفال بمولد النبي - صلى الله عليه وسلم - البرهان الساطع والدليل القاطع على صدق محبته، وغفلوا عن أن أعظم الناس محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهم الصحابة الكرام أبو بكر ومن بعده لم يحتفلوا بالمولد، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب إليهم من الماء البارد على الظمأ، فهل هؤلاء أعظم محبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة - رضي الله عنهم -؟
ثم إن الناظر في هذه الموالد التي يدعى إليها الناس يرى فيها شراً عظيماً وفسقاً مبيناً، بل وشركاً بالله رب العالمين، وقد رأينا ذلك وشاهدناه، فباسم المولد ترقص النساء مع الرجال، وباسم المولد تغني النساء، وباسم المولد يستهزأ بدين الله، وباسم المولد يلعب بكتاب الله فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد سلم الله بلاد الحرمين من هذه البدعة المشينة، إلا أن أقواماً مرضت قلوبهم وأشربوا حب البدعة يطالعوننا بين الفينة والأخرى بالدعوة إلى الاحتفال بالمولد وتعظيم يومه تحت مظلة محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإحياء ذكره ينشرون ذلك ويزينونه في مقالات أو كتابات أو محاضرة فالله المسؤول أن يخيب سعيهم، ويهدي ضالهم، فإن البدعة لا تزيد صاحبها من الله إلا بعداً، فاتقوا الله عباد الله وكونوا على وعي تام فإنكم مغزوون مستهدفون من أهل الشر والفساد على اختلاف توجهاتهم ومقاصدهم، نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن نسأله أن يثبتنا على الحق والهدى