قرار وزير الأمن الداخلي تساحي هنغبي السماح لليهود والسياح الأجانب بتدنيس المسجد الأقصى لم يكن مفاجئاً من حيث التوقيت، فقد نضج هذا القرار منذ زمن في أروقة دوائر صنع القرار في الدولة العبريّة، فقادة الشرطة ورؤساء الأجهزة الاستخبارية أوصوا شارون بالسماح لليهود والسياح الأجانب بزيارة المكان، وجهة النظر الأمنية الصهيونية في هذه التوصية قائمة على أن السماح بعودة اليهود والسياح لتدنيس المسجد إنما هي عودة للوضع القائم قبل اندلاع انتفاضة الأقصى، لكن على كل فالأمور ليست بهذه البساطة، وهناك عوامل أخرى أثّرت على قرار الحكومة الصهيونية بالسماح لليهود والسياح بتدنيس المسجد، فالقرار يتأثر بشكل أساسي بحملة ضغط غير مسبوقة يشنّها كبار الحاخامات في الدولة العبرية من أجل القيام بعمليات استفزازية كبيرة جداً على سطح الحرم القدسي الشريف، في الجهة المقابلة ترى الحكومة الإسرائيلية أن هذه الخطوة "ستكون بلا شكّ مقدّمة للقضاء على الوجود الإسلامي في جبل الهيكل، إنه يتوجب توليد قوة دفع من أجل مواصلة الإجراءات في المكان في أعقاب هذا القرار من أجل خلق مزيد من الخطوات على الأرض"، كما قال وزير السياحة الصهيوني الحاخام بني أيلون.
بات الآن واضحاً أن مجلس الحاخامية الكبرى في دولة الكيان - وهو أكبر مرجعية روحية لليهود في أرض فلسطين المحتلة - يميل لرفع توصية تاريخية في كل ما يتعلّق بمستقبل الإجراءات الصهيونية ضدّ المسجد الأقصى، حتى قبل عامين كانت هناك معارضة دينية كبيرة لفكرة إقامة كنيس يهودي على المسجد الأقصى، وذلك لأن كبار الحاخامات قد أفتوا بأنه لا يجوز بناء كنيس فوق الحرم الذي يدعون أنه يحوي أسفله الهيكل فضلاً عن رفات عدد من كبار علماء اليهود، وبالتالي لا يجوز أن تطأ أقدام اليهود هذا الحرم على هذا النحو، ويتوجب أولاً تدمير المسجد الأقصى وبعد ذلك البحث عن الهيكل وإخراجه وإخراج رفات أحبار اليهود، ولما كانت هذه العملية متعذرة ومستحيلة حالياً، فقد ظلّ كبار الحاخامات يفتون بعدم جواز بناء كنيس يهودي على المسجد الأقصى، لكن خلال العامين الماضيين طرأت تغييرات على معايير الافتاء لدى الكثيرين من كبار الحاخامات اليهود، وبعضهم أعضاء في مجلس الحاخامية الكبرى، وهؤلاء باتوا الآن يفتون أنه يجوز بناء كنيس يهودي على الحرم القدسي الشريف من أجل تثبيت الوجود اليهودي المدنس على سطح الحرم، أعداد كبار الحاخامات الداعين إلى بناء الكنيس اليهودي آخذة بالتزايد بشكل ملفت للنظر، هؤلاء الحاخامات جنّدوا إلى جانبهم عدداً من كبار الساسة الصهاينة، سيما وزراء ونواب في البرلمان ينتمون بشكل أساسي إلى أحزاب اليمين والأحزاب المتدينة الأرثوذكسية، وإن كان أغلب المتحمسين للفكرة هم من حاخامات التيار الديني الصهيوني الذين يتبنون أفكار الحزب الديني الصهيوني "المفدال".
هناك نيّة لتشكيل حركة جماهيرية صهيونية تتبنّى فكرة إقامة كنيس يهودي على الحرم كخطوة أولى على طريق تدمير المسجد الأقصى وإعادة بناء الهيكل المزعوم محلّه، علينا أن نذكر هنا أن حزب الاتحاد الوطني قد دعا خلال حملته الانتخابية الأخيرة صراحة إلى تدمير المسجد الأقصى وتحريره من الاحتلال الإسلامي حتى لو أدى ذلك إلى حرب عالمية على اعتبار أن هذا ما يتوجب على اليهود أن يتشبثوا به.
إلى جانب المنظمات والجماعات العاملة من أجل تدمير المسجد الأقصى في الدولة العبريّة هناك جمعيات أقيمت خصيصاً في الولايات المتحدة من أجل جمع التبرعات لتدمير المسجد، وإقامة الهيكل المزعوم.