شاب في مقتبل العمر قد أنهى دراسته الثانوية ثم دخل الجامعة، ولكن قدر الله -عز وجل- سبق إليه فأصابه حادث في سيارته بينما كان في طريق من طرق أعماله وحاجته، فنتج عن هذا الحادث أن أصيب بشلل ألزمه الفرش، وزيادة على ذلك فقد أصيب في رأسه إصابة أفقدته الكلام، فأصبح يراك ويسمعك، ولا يستطيع أن ينبس ببنت شفة، فلم يعد قادراً على الكلام، ومع ذلك قد وضع على صدره منشفة؛ لتحفظ ملابسه من البلل؛ لأنه لا يملك الخارج من فمه وكأنه طفل رضيع.
أما عن طريق التفاهم معه، فإنك إذا سألته عن اسمه حرك يده بصعوبة بالغة..؛ ليشير إلى مجموعة حروف متقطعة في حجرة، ومن مجموع الحروف ينتج لك اسمه، ولله الحمد والشكر على نعمه.
ثم رأينا رجلاً كهلاً عمره بين الأربعين والخمسين تقريباً، قد اضطجع على ظهره والمتخصصون يجرون له العلاج الطبيعي، وهو لا يحرك يديه ولا يملك حراك قدميه، فسألناه عن سبب ما هو فيه؟ فأخبرنا أنه كان صاعداً على عمارة؛ ليشرف على بنائها فسقط من أعلاها وأصيب بما أصيب.
أما على المدة التي أمضاها على ظهره فإنها ثمان سنوات وأربعة أشهر، يغير له كما يغير للطفل الصغير، يزيل الناس عنه أذاه، وينظفونه كل ساعتين مع تغسيله كل صباح، ولله الحمد والشكر على نعمه.
وأما الشاب الآخر فقد كان سائراً مع صديقين بسرعة "150" تقريباً، فاختل توازن السيارة مما أدي إلى حادث مروع مات فيه أحدهم وسلم الثاني، أما صاحبنا فهو على فراشه منذ ثماني أشهر، لا يحرك إلا رأسه، وقد مد كما يمد الميت، ولله الحمد والشكر على نعمه.
وهذا شاب آخر كان يعيش في آمال واسعة، كما يؤمل غيره من أترابه الشباب، فقد توجه إلى وادي الدواسر؛ ليحلق، وهو في طريقه لهذه الآمال وتلكم الأحلام وهاتيك الأماني يصاب بحادث يلقيه مقعداً لا يتحرك إلا بصعوبة بالغة، إذ يحرك يديه ورجليه بالأجهزة، وقد ثقل كلامه، وهو على هذه الحال منذ خمس سنوات، ولله الحمد والشكر على نعمه.
وهذا رجل أتيناه وهو يردد آيات من القرآن الكريم، فقد حفظ في مرضه هذا ما يزيد على خمسة عشر جزءاً، مع أنه يحتاج إلى من يفتح له صفحات المصحف؛ لأنه قد أصيب بشلل رباعي من جراء حادث مروري منذ عام 1407هـ، ولله الحمد والشكر على نعمه.
ورأينا رجلاً شاباً في عنفوانه أصيب بحادث مروري فأصيب أيضاً بشلل رباعي مباشرة، فهو منذ ما يزيد على عشر سنوات مضطجع على فراشه، فأخذ يصرخ ذات مرة بأعلى صوته، فلما جاءه المرشد الاجتماعي ليرى أي خطب أو أذى أو مكروه أصابه، فهل تدرون لم كان يصرخ ويستغيث؟! كان يستنجد بأحد؛ لكي يرفع الغطاء عن وجهه فقد آذاه وهو لا يستطيع أن يزيله، إن آلمه البرد أو آذاه الحر استنجد بغيره، فلله الحمد والشكر على نعمائه، وعلى ما نرفل به من عظيم إحسانه.
وهذا أخ من السودان يسير على عربة كهربائية يقودها بأصبع يده اليمني التي لا يحرك من جسده سواها، وهو على هذه الحالة منذ تسع سنين بسبب حادث مروري، فلله الحمد والشكر على نعمائه، وعلى ما نرفل فيه من عظيم إحسانه.
وهذا آخر مصاب بالضغط والسكر، وهو غائب عن الوعي في غيبوبة منذ عشر سنوات، ممدد على سريره ينتظر الفرج من الله -عز وجل-، فلله الحمد والشكر على نعمائه، وعلى ما نرفل فيه من عظيم إحسانه.
وشاب آخر قد ربطت يده اليمنى حتى لا يستطيع حراكها، فلما سألنا الطبيب، قال: لأنه في غيبوبة، فربما حركها لا شعورياً فضر نفسه بخدش أو سقط أو كشف عورة؛ لأنه لا يشعر بمن حوله، فلله الحمد والشكر على نعمائه وعلى ما نرفل به من عظيم إحسانه.
وآخر يتلوى ويتأوه يذيب حاله الحجارة الصلبة ويدمي القلوب ويبكي العيون، ويقاسي من أوجاع، فعسى أن لا يحرمه الله -عز وجل- الأجر والثواب.
ورأينا شاباً فيه ماء النضرة وبهاء الشباب، إذا رأيته خيل إليك أنه معافى، فعيناه ترمشان غير أنه في حقيقة أمره قد أصيب بغيبوبة كاملة أثناء حادث مروري فنقل هو إلى هنا، ونقلت أخته إلى قسم السيدات، ونقلت أمه إلى القبر لوفاتها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ورأينا شيخاً في الستين من عمره يتكلم معك ويحادثك، بل ربما آنسك وأضحكك، غير أننا عندما سألناه عن أولاده قال بعبارته: "الله يلعنهم"، فقلنا له: يا عم، قل: الله يهديهم، فقال: "الله لا يهديهم، الله يلعنهم، منذ أن دخلت المستشفى لم يأتوا إلي ولم يزوروني، ما فيهم خير يسكنون في الرياض والخرج ولا يزوروني "الله يلعنهم"، ويختم باللعن كما ابتدأ به، وما ذلك إلا من مرارة العقوق التي ذاقها، وألم الحرمان الذي يقاسيه، بالإضافة إلى شلله وعدم قدرته على خدمة نفسه، فنعوذ بالله -عز وجل- من العقوق وغضب الوالدين.
محمد الجهني