قبل عدة عقود من الزمان أطلق المفكر الجزائري مالك بن نبي صرخة مدوية عنوانها: العالم يتأمرك، (من مقال للدكتور بدران الحسن بعنوان: قيمة ما عندنا من أفكار بتاريخ 14/6/1424هـ، من موقعه).
توقع مالك بن نبي عولمة للثقافة الأمريكية على حساب الثقافات الأخرى، بما فيها الثقافة الإسلامية، وبنا ذلك على معطيات مثقلة تمخضت عن العولمة بعد عدة عقود..
وصدق فيما توقع، فقد فرضت العولمة نفسها، وأصبح العالم قرية صغيرة، تشترك في المعارف والعادات والثقافات، ومع أن العولمة منتج أمريكي لم يكن القصد منه إلا مناوأة الله ورسوله، والدعوة للثقافة الأمريكية، والترويج لها، إلا أن أصحاب هذا المنتج لم يتوقعوا يوماً أن يسخر لخدمة الله ورسوله.
وصدق - صلى الله عليه وسلم - لما قال: (( إذا هلك كسرى فلا كسرى وإذا هلك قيصر فلا قيصر والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله وفي لفظ: لتقسمن..))
أليس من معاني إنفاق كنوزهما في سبيل الله أن يستهلك الغرب والشرق ميزانياته الضخمة في الصناعات والإنتاج الحضاري والمدني، ثم تؤول تلك كلها لخدمة دين الإسلام، ولنشره في أرجاء المعمورة!.
ونحن نشاهد كيف أن عولمة الاتصالات قد ساعدت في نشر الإسلام ودعوة الناس إليه، وتعريفهم به، حتى أصبح نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - ملهماً لكثير من الناس في الشرق والغرب ممن لم يكن يدين بالإسلام.
ثورة المعلومات والاتصالات والفضائيات من كان يظن أنها ستكون منابر للتعريف بالإسلام، ووسائل لنشره، والدعوة إليه، وما وضعها أصحابها أصلاً إلا لإرضاء نزغاتهم والترويج لثقافاتهم، فإذا بكنوزهم تنفق لنشر الإسلام، والدعوة إليه، وما ذاك إلا لأن الله - عز وجل - يريد للعالم أن يسلم.
وذاك من معاني قول الله - عز وجل -: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون).
أكان الذي صنع المحطات الفضائية يرضى أن تستخدم لنشر الإسلام والتعريف به، لو كان يرضى بذلك ما كان يأمر بإغلاق بعضها من حين لآخر..
العالم يسلم، وثمت معطيات تثبت ذلك:
أولها: أن الحضارة الإسلامية هي الحضارة الوحيدة التي تملك مقومات البقاء بين جميع الحضارات المتنافسة في هذا العصر..
ذلك لأن أي حضارة لا بد لاستمرارها من ثلاث مقومات رئيسية:
الأول: تمدد سكاني مناسب لحمل رسالة الحضارة والمحافظة عليها، جيلاً بعد جيل، وخلفاً بعد سلف.
وقد صرخ العالم الغربي مرات عدة محذراً من أن العالم يتغير باتجاه الأسلمة، وظهرت لهم برامج ودراسات تحذر من انتشار المسلمين في العالم الغربي، حتى إن أكثرهم تفاؤلاً من يعتقد أن العالم الأوربي سيشهد ميلاد جمهورية مسلمة في غضون ثلاثين عاماً!!!
أوربا أكثر القارات التي ينتشر فيها الإسلام في غير موطنه، وأمريكا بعد ذلك، والعالم كله يسلم قريباً، وهجرة المسلمين إلى أوربا مختارين أو غير مختارين - ناقوس خطر لأوربا، لكنه يبشر بأسلمة العالم.
الثاني: نظام اقتصادي تعتمد عليه هذه الحضارة، يغذوها ويدعمها، ولعل مما يدعو العالم للإسلام النظر في الأزمة المالية التي هوى بها لما اعتمد نظاماً اقتصادياً وضعياً، في حين سلمت الأنظمة الإسلامية المالية من هذا التدهور بشهادة الغربيين أنفسهم.
الثالث: النظم والأحكام التي تبنى عليها الحضارة، وهي بيت القصيد التي يختلف فيها الناس، وتتباين فيها مشاربهم.
لكن شتان بين ثقافة تعتمد على كتاب الله وسنة رسوله، وبين ثقافات أخرى من وضع البشر!
ثانيها: أن هذه الأمة مخصوصة بنبيين كريمين أولهما محمد - صلى الله عليه وسلم - أشرف الرسل وأكملهم، وآخرهم عيسى بن مريم - صلى الله عليه وسلم -، وما ذاك إلا للمحافظة على هذه الأمة في أول أمرها وآخره.
قال عبد الرحمن بن جبير بن نفير - رحمه الله -: لما اشتد حزن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من أصيب منهم مع زيد يوم مؤتة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( ليدركن المسيح من هذه الأمة أقوام أنهم لمثلكم أو خير ثلاث مرات، ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها)).
ثالثها: التاريخ، واستقراء التاريخ فيه العبر، فمن سنة الله في هذه الأمة أنها تغفو ثم تثب، وتمرض ثم تصح، ولكنها لا تموت.
رابعها: وعد الله - عز وجل - لهذه الأمة وهو وعد لا يتخلف، وسنة جارية، إن تنصروا الله ينصركم، والدلائل قائمة على ذلك، والمبشرات تصدق الدلائل، ولعلنا نستشرف هذه المبشرات في مقال قادم.. كل ذلك ينادي أن العالم يسلم..
أحمد السلوم