نصرانية توفي والدها وتنكَّر لها أهل دينها وتفكر بالدخول في الإسلام
السؤال : مرحباً أعتذر عن طريقتي في التحية ، وعن الطريقة التي سأتحدث بها ، ولكن صدقوني إني لا أقصد الإساءة إلى أيٍّ منكم ، إني أكتب إليكم لأني بدأت في التفكير بأن أتقبل فكرة أن يكون الله هو الإله الوحيد بالنسبة لي ، ولكني حائرة ، ولهذا أرجو منكم النصح . لقد اعتنقت المسيحية واعتدت الذهاب إلى الكنيسة باستمرار ، ولكني توقفت عن الذهاب إليها منذ ما يقارب العام ، عندما أصبحت مسيحية شعرت بأنني اتخذت القرار الصحيح وأني سلكت الطريق الواضح وتغيرت حياتي نحو الأفضل ، فقد تركت معاقرة الخمر ، وتزوجت زوجي الذي أنجبت منه ابنتي الوحيدة ، وغيّرت طريقة لباسي ، بل حتى تغيرت طريقة تفكيري ، نعم ، لقد تغير كل شيء في حياتي وشعرت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الطريق هو الطريق الصحيح الذي اختاره الله لي . ولكن بعد ذلك بثلاث سنين مرض والدي بالسرطان ، وساءت حالته جدّاً ، وفي تلك اللحظة التي كنت أحوج ما أكون فيها إلى شخص يواسيني ويقف بجانبي ويشد من عزمي : في تلك اللحظة لم أجد فيها أحداً من أصدقاء الكنيسة !! نعم ، لقد وقفت وحيدة أصارع الآلام والأحزان ، فلولا أني كنت أصلي وأدعو أن يخفف الله ما بي لكنت فقدت عقلي . لقد توفي والدي أخيراً ، ولكني سعيدة لأنه لن يضطر للمعاناة ومصارعة الألم بعد الآن ، وفي تلك اللحظات التي يفترض أن يزورني من يعرفني وبالأخص أصدقاء الكنيسة لما يحملونه من معتقدات دينية تحث على ذلك لم أجد فيها أحداً ، إن أحداً منهم لم يكلف نفسه حتى رفع السماعة ومهاتفتي ، بل لم يصلني أي كرت للتعزية أو ورد أو ما شابه ذلك ، وكأني كنت في صحراء لا يوجد فيها أحد ! فكل ما وصلني هي رسالة من أحدهم يقول لي فيها " إننا ندعوا لك " ، بل إلى هذه اللحظة لم يزرني أو يتصل بي أحد ، أين عائلتي الكنسية التي كنت أثق بها وأؤمن بها ؟! لا أدري أين ذهبوا . لقد جُرحت جرحاً غائراً من هذا التهميش والأنانية لذلك توقفت عن الذهاب الى الكنيسة ، غريب أمر هؤلاء الناس ، لقد صادفت بعض النساء اللواتي كنّ يحضرن معي في الكنيسة في أحد المتاجر ورأينني وجهاً لوجه ولكنهن تظاهرن بعدم رؤيتي وتجاهلنني ! لقد أثّر هذا الموقف فيّ كثيراً ، بل حتى أثّر في ابنتي التي لا تبلغ من العمر سوى سبع سنوات . لماذا كل هذا التجافي ؟! لقد سخرت وقتي ونفسي لخدمة الكنيسة ومرتاديها ، بل لقد نذرت أن أربّي ابنتي وأنشأها على تعاليم الكتاب المقدس ، لكن لم أعد أشعر إلا أن الكنيسة ومن فيها ليسوا سوى منافقين وكذابين ، في أي مكان في الكتاب المقدس يأمرهم دينهم بأن يلووا ظهورهم الى إخوانهم في ساعة الشدة ؟! أيامرهم دينهم بكل هذا الجفاء ؟!! ما الذي اقترفته حتى يعاملوني بهذا الشكل ؟! . الآن بعد كل هذا توقفت عن التدين والصلاة والذهاب إلى الكنيسة ، حتى علاقتي مع زوجي تغيرت ، نعم ، ما زلنا مع بعض ولكن لم يعد أيٌ منّا يأبه بالآخر ، لم يعد بقاؤنا معاً إلا من أجل ابنتنا ، لكم أن تتصوروا أننا لا نتكلم إلا في النادر ، وإذا تكلمنا فإن كلماتنا معدودة . لقد تعرفتُ على رجل مسلم يعمل في نفس المكان الذي أعمل فيه ، إنه رجل طيب ومحترم ، فكرت بأن أتزوجه ، لقد دفعني خلقه للتعرف على الإسلام عن كثب ، إني لا أريد أن أعود إلى الحياة التي كنت عليها قبل أن أعتنق المسيحية ، ولا أريد أن أمارس المسيحية ، لكن في الوقت ذاته لا أريد أن أغضب الرب منّي ، لذلك هذا ما دفعني للبحث عن الإسلام ، وليس فقط مجرد الخلق الرفيع الذي لاقيته من هذا الرجل المسلم . لقد بدأت أفكر بالإسلام كدين بديل ، كدين يعوضني عما ينقصني في هذه الحياة ، كدين يملأ عليّ حياتي ويشعرني بالسعادة ، أيمكن أن يكون الإسلام هو الدين الحق ؟ كل هذه أفكار جعلتني أتساءل : هل في الإسلام مكان لي ؟ هل يقبلني الإسلام أن أدخل فيه وأنا من أصول أمريكية ( فنزولية ) ؟ هل يقبلني الإسلام ولدي طفلة من علاقة محرمة ؟ هل يقبلني الإسلام وأنا مسيحية ؟ وهل صحيح أن امرأة مثلي يمكن أن تفسد على الرجل المسلم دينه ما لو تزوجنا ؟ وهل صحيح أنه لا يمكنني أن أتزوجه حتى وإن طلقني زوجي الحالي ؟ صدقوني ليست رغبتي في الزواج من هذا الرجل هي التي جعلتني أتساءل وأسال كل هذه الأسئلة بل هي الرغبة الصادقة في معرفة الحق ، فأرجو منكم النصح ، ولكم مني التحية .
الجواب :
الحمد لله
1. لعلنا نستطيع الجزم أن الله تعالى قد أراد بك خيراً ، فلولا ما فعله أولئك الأصحاب والأصدقاء معك لما حصل منك ذلك النفور منهم والإقبال علينا مراسلة وطلباً للنصح ، وقد استطعتِ بحسن تصرفك ورجاحة عقلك أن تعيدي التفكير فيما أنت عليه من اعتقاد ، وهذا أول سلوك الطريق الصحيح نحو رضا الله تعالى والفوز بثوابه .
والله تعالى إذا أراد بعبده خيراً ، فإنه يقدر له الأمور التي تسوقه إلى الهداية وتحثه على البحث عنها حتى يخرجه الله من الظلمات إلى النور .
2. وإنه لمن المناسب أن تتفكري الآن في الدِّين الذي أنت عليه هل هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى لخلقه ؟ وهل كانت السعادة التي قلتِ إنك كنت تعيشينها هي فعلاً سعادة حقيقية ؟ وهل نظرتك للإسلام كانت صائبة ؟ فقد آن الأوان لتعملي عقلك ولتسألي نفسك : كيف صار المسيح المعبود (الإله!!) في بطن امرأة مخلوقة ؟ وهل والدة هذا الإله ! – مريم العذراء – خالقة أم مخلوقة ؟ ومن الذي صُلب على الصليب في ضوء الاعتقاد أن اللاهوت لم يفارق الناسوت فهل صُلب معه أم تخلى عنه وقت الصلب ؟ وهل عجز الرب الإله عن إيجاد طريقة لمغفرة ذنوب الخلق غير تلك الطريقة البشعة التي قُتل فيها ابنه الوحيد ؟ .
وهل يريد الله رحمة الخلق ومن أجل ذلك يعذب ابنه !
فهذا أوان التفكير في الوثنية التي أدخلها " بولس " على هذا الدين فابتدع القول بأن المسيح خُلِق من اللاهوت ! بعد أن كانت كلمة النصارى متفقة على أنه مخلوق مربوب عبدٌ لله عزَّ وجل ، فمن هو المسيح عند النصارى ؟ هل هو الرب أو ابن الرب أو ثالث ثلاثة ؟! فهذا أوان التفكير في عقيدة التثليث المخالفة للفطرة والعقل .
وهذا أوان التفكير في التناقض في الموقف تجاه الصليب فبدلاً من حرق كل صليب وإهانته لأنه على مثله صُلب الرب أو ابن الرب – والعياذ بالله – كما يزعم النصارى - رأينا تعظيمه وتقديسه وعبادته منهم ! ، وهذا أوان التفكير في اختلاف نسخ الإنجيل اختلافاً مُحرجاً لا مخرج منه إلا الاعتراف بأن أيدي العابثين لعبت به تحريفاً للفظه ومعناه .
واقرئي معنا قصة القسيس السابق والمسلم حاليّاً " يوسف استيس " فإذا كان هذا هو حال القساوسة في الكنائس فكيف يكون حال العوام من النصارى ، يقول يوسف استيس متحدثاً عن قصة إسلامه :
" أما أنا فكانت هناك أمور في الكتاب المقدس لم أصدقها لأني كنت أرى التناقضات الكثيرة فيه ، فمن تلك الأمور أني كنت أسأل نفسي وغيري : كيف يكون الإله واحداً وثلاثة في نفس الوقت ؟! ، وقد سألت القسس المشهورين عالميّاً عن ذلك وأجابوني بأجوبة سخيفة جدّاً لا يمكن للعاقل أن يصدقها ، وقلت لهم : كيف يمكنني أن أكون داعية للنصرانية وأعلّم الناس أن الإله شخص واحد وثلاثة أشخاص في نفس الوقت ، وأنا غير مقتنع بذلك فكيف أقنع غيري به ؟ .
بعضهم قال لي : لا تبيّن هذا الأمر ولا توضحه ، قل للناس : هذا أمر غامض ويجب الإيمان به ، وبعضهم قال لي : يمكنك أن توضحه بأنه مثل التفاحة تحتوي على قشرة من الخارج ولب من الداخل وكذلك النوى في داخلها ، فقلت لهم : لا يمكن أن يضرب هذا مثلاً للإله ، التفاحة فيها أكثر من حبة نوى فستتعدد الآلهة بذلك ويمكن أن يكون فيها دود فتتعدد الآلهة ، وقد تكون نتنة وأنا لا أريد إلهاً نتناً .
وبعضهم قال : مثل البيضة فيها قشر وصفار وبياض ، فقلت : لا يصح أن يكون هذا مثلاً للإله فالبيضة قد يكون فها أكثر من صفار فتتعدد الآلهة ، وقد تكون نتنة ، وأنا لا أريد أن أعبد إلهاً نتناً .
وبعضهم قال : مثل رجل وامرأة وابن لهما ، فقلت له : قد تحمل المرأة وتتعدد الآلهة ، وقد يحصل طلاق فتتفرق الآلهة وقد يموت أحدها ، وأنا لا أريد إلهاً هكذا .
وأنا منذ أن كنت نصرانيّاً وواعظاً وداعية للنصرانية لم أستطع أن أقتنع بمسألة التثليث ولم أجد من يمكنه إقناع الإنسان العاقل بها" انتهى .
وقد أسلم هو وزوجته ووالده بفضل الله تعالى ، فلم ير في الإسلام تناقضاً ، ولم يرَ شركاً ، ولم يرَ نسخة أخرى للقرآن بين أيدي المسلمين جميعاً ، فكان هذا هو سبب إسلامه وإسلام أسرته ، وقد أنقذها الله تعالى به من الكفر والعذاب ، وأدخلهم به جنة الدنيا ، ونرجو لهم جميعاً دخول جنة الآخرة .
إن تلك التساؤلات التي ذكرناها لكِ - وغيرها كثير - كانت سبباً لتفكير الآلاف من أتباع الدين النصراني ، وقد هدى الله تعالى كثيراً من العقلاء الذين وقفوا مع أنفسهم وقفة تأمل ، ووجدوا أن ما هم عليه ليس هو الدين الذي يوحِّد الخالق ويصرف العبادة له وحده لا شريك له وينزهه عن الزوجة والولد والشريك ، ووجدوا أن الإسلام هو الدين الحق الذي يوحد الله ويعظمه حق توحيده وتعظيمه .
إننا من خلال رسالتك قد علمنا الحزن الذي أصابك بوفاة والدك ، والحزن الذي تبعه بسبب موقف أصدقائك السابقين ، ولكنك الآن ابنة يومك هذا ، فاصنعي من تلك الأحزان – التي لها ما يبررها – فرحاً وسعادة تدخلينهما على حياتك بالتفكير فيما قلناه لك ، وإننا لنجزم أن حالك سيكون كحال الملايين قبلك والذين تغيرت حياتهم بمجرد أن نطقوا بالشهادتين ، وإنك ستشعرين ساعتها بالسعادة الحقيقية وسيتبين لك أنك ما ذقتيها أصلاً قبل هذه اللحظة .
ووقتها سنكون في غاية السعادة والسرور بك وبإيمانك الصحيح الجديد .
3. ومن قال لكِ إنه ليس لك في الإسلام مكان ؟ ومن قال إن كونك أمريكية سيؤثِّر في مكانك ومكانتك عند المسلمين ؟ بل إذا دخلتِ في الإسلام سيكون لك منزلة عالية في قلوب المسلمين ، وستكونين أختاً لملايين المسلمات في أقطار الأرض ، وستكونين موضع ترحيب وتقدير من كل مسلم ؛ لأنه بإسلامك تصيرين أختاً في الدين لكل المسلمين ، ولا يعني هذا أنك ستختلطين بمجتمع ملائكي ، فكلنا بشر ، وكلنا لنا أخطاء وعيوب ، ولكن ... كل خير عند غيرنا فعندنا أضعافه ، وكل شرٍّ عندنا فعند غيرنا أضعافه ، وقد نجح أعداء الله في تشويه صورة الإسلام والمسلمين ، ولكن مع ذلك يبقى للإسلام ما يميزه عن سائر الأديان ، ويبقى للمسلمين ما يميزهم عن سائر الناس .
4. ووجود ابنة لك من زوج نصراني لا يمنع من قبولك مسلمة ، بل أنت تنقذين بذلك نفسك وتنقذين ابنتك ، وعقد الزواج الذي كان بينك وبين زوجك يعترف به الإسلام ، ويقبل آثاره ، وقد دخل كثيرون في الإسلام ولم يطلب منهم الإسلام تغيير عقودهم ، ولا نفى عن الأسرة أولادها ، وقد كانت عقودهم في النكاح في حال الجاهلية .
5. وليس صحيحاً أنك تفسدين على الرجل المسلم دينه إذا تمَّ الزواج بينكما ، فالإسلام يبيح زواج المسلم من نصرانية أصلاً ، وهو أفضل لها لأنه قد تدخل الإسلام بسبب ذلك ، فإذا صارت مسلمة كان ذلك أفضل وأحسن للزوج لأنه يجد من يعينه على دينه .
6. ولا يستطيع المسلم التزوج بنصرانية وهي على ذمة زوج آخر ولو كان نصرانيّاً أو يهوديّاً حتى يحصل فراق بينهما وتنتهي عدتها .
وأما إذا أسلمت الزوجة وزوجها على غير الإسلام فإنه يلزمها أن تعتزله ولا يعاشرها ، وتنتظر انتهاء عدتها منه بثلاث حيضات ، فإن أسلم زوجها في هذه المدة فهي زوجته كما كانت ، وإن أصر على عدم الإسلام فقد انتهت العلاقة بينهما ، وصار لها الحق في الزواج بمن شاءت ، فإن كان لها ولي مسلم زوَّجها وإلا زوَّجها القاضي الشرعي أو من يقوم مقامه .
7. وأخيراً : نسأل الله أن يهدي قلبك للإسلام ، وأن يريك الحق حقّاً ويرزقك اتباعه ، ويريك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه .
وإننا لفي شوق إلى رسالة منك تخبرينا فيها بإسلامك ، وبانشراح صدرك ، ويكون نشرها سبباً لإسلام كثيرات ، فيكون لك مثل ثوابهن عند الله يوم القيامة