منذ عام 1967م ينتهج الصهاينة سياسة هدم بيوت الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة كوسيلة لفرض العقاب على السكان الفلسطينيين، وقد تغيَّر مدى استعمال هذه الوسيلة على مرِّ السنين، بما في ذلك مدة تصل إلى حوالي أربعة أعوام (1998 – 2001) لم يستعمل فيها الصهاينة هذه الوسيلة، ويكمن السبب في ذلك، إلى كون الغالبية العظمى من السكان الفلسطينيين تعيش في مناطق تم نقل صلاحيات الحكم فيها إلى السلطة الفلسطينية وقد امتنع الجيش الصهيوني عن الدخول إليها.
وابتداءً من عام 2001م زادت وتيرة عمليات هدم المنازل، ففي عام 2001م هدمت "إسرائيل" 10 بيوت تضرر بسببها 66 فلسطينيًّا، وفي 2002م هدمت 252 بيتًا تضرر منها 1402 فلسطينيًّا، وفي عام 2003م هدم الصهاينة 225 بيتًا تضرر منها 1805 فلسطينيًّا، وفي عام 2004م هدموا 171 بيتًا تضرر منها 909 فلسطينيًّا، وفي عام 2005م هدمت "إسرائيل" 17 بيتًا تضرر منها 68 فلسطينيًّا، وفي عام 2006م هدمت 39 بيتًا تضرر منها 2150 فلسطينيًّا، وفي عام 2007م هدمت 43 بيتًا تضرر منها 182 فلسطينيًّا، وفي عام 2008م هدمت "إسرائيل" 37 بيتًا تضرر منها 141 فلسطينيًّا.
الصهاينة يبررون إجراءهم الإرهابي والعدواني وغير الإنساني والمنافي للقانون الدولي، بأنه إجراء إداري ناجم عن اعتبارات التخطيط فحسب، ولكن بعد فحص موقع وتوقيت الهدم ومقارنتهما مع سياسة التخطيط في المستوطنات، يتأكد أن سياسة الهدم الجماعية تخدم أهدافًا ليس بينها وبين الاعتبارات التخطيطية أية صلة.
الصهاينة يهدمون البيوت الفلسطينية في إطار سياسة مرسومة ومحددة لتوسيع الاستيطان، وإيجاد حقائق ثابتة على أرض الواقع قبيل مفاوضات الحل الدائم، ويقوم الصهاينة باتخاذ قرارات هدم بيوت فلسطينية للأسباب التالية:
أولًا: شق طرق التفافية من أجل تسهيل حركة وتنقل المستوطنين وقوات الجيش التي تحمي المستوطنات، حيث تنطلق رؤية الإرهابيين الصهاينة من أن البيوت القائمة بمحاذاة الشارع المهم، سواء كان قائمًا أو مخطط لإقامته، مصيرها الهدم.
ثانيًا: طرد الفلسطينيين من المناطق المحاذية للمستوطنات، حيث تهدم السلطات الصهيونية باستمرار مبان فلسطينية تعتبرها عثرة أمام التخطيط لإقامة وتوسيع إحدى المستوطنات.
ثالثًا: رفض تسليم أراض للفلسطينيين، حيث يهدم الصهاينة بيوتًا في المناطق الموجودة في المساحات التي يرغب الصهاينة في الاحتفاظ بها في نطاق الحل الدائم، وذلك كمحاولة لمنع السلطة الفلسطينية من المطالبة بهذه المساحات بادعاء أنها مأهولة بالفلسطينيين، فهدم البيوت في هذه الحالة هو بمثابة أسلوب مريح لطرد السكان من المنطقة.
رابعًا: يلجأ الصهاينة إلى هدم بيوت الفلسطينيين كعملية انتقامية، وكانت البداية على إثر العملية الاستشهادية في سوق محني يهودا الواقع في مدينة القدس الغربية يوم 30 كانون ثاني 1997م، حيث قررت اللجنة الوزارية للشئون الأمنية والسياسية اتخاذ عدة خطوات كرد فعل، ومنها هدم بيوت في الضفة الغربية بشكل عام، وفي القدس الشرقية بشكل خاص، فتم هدم 29 منزلًا.
خامسًا: كما يعتبر هدم البيوت كوسيلة سياسة للتمييز بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، فالبناء بدون تصريح يحدث في القرى الفلسطينية وفي المستوطنات على السواء، حيث يبني السكان الفلسطينيون بيوتهم في القرى بدون تصريح بعد أن أصابهم اليأس لعدم وجود تخطيط يُلبي احتياجاتهم، ولرفض السلطات الصهيونية منحهم تراخيص بناء، وعليه؛ فرد السلطات على عملية البناء صارم ويأتي دائمًا بالرفض، بينما في المقابل يتم بناء آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات وكذلك مبان عامه ومبان صناعية بدون ترخيص.
وقد كان الهدف المُعلن من هدم البيوت هو إلحاق الضرر بأقارب الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات ضد الجنود أو المواطنين اليهود أو المتهمين بالضلوع في تنفيذ مثل هذه العمليات، من أجل ردع الفلسطينيين عن الاستمرار في هذا النوع من المقاومة، لكن من الناحية الفعلية، كان المتضررون الأساسيون هم النساء والمسنون والأطفال، والذين لم يتحملوا المسئولية عن أعمال أقربائهم، ولم يتهمهم الصهاينة بتنفيذ أية مخالفات.
وفي معظم الحالات، لم يكن الشخص الذي تم بسببه الهدم في البيت موجودًا أثناء الهدم؛ لأنه كان معروفًا على أنه "مطلوب" لقوات الأمن أو كان معتقلًا بأيدي الصهاينة، وكان من المتوقع أن يُحكم عليه بالسجن لمدة طويلة، أو لكونه قد قُتِلَ على أيدي قوات الأمن أو خلال عملية قام بها.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه وأثناء تنفيذ هدم البيوت يهدم الجيش الصهيوني أيضًا بيوتًا مُجاورة، لكن التأثير الرادع لهدم البيوت لم يثبت مطلقًا، وقد درس الكولونيل احتياط "أريه شاليف"، من خلال كتابه عن الانتفاضة الأولى، تأثير هدم البيوت على حجم أحداث العنف ووجد أن حجم أحداث العنف؛ لم يقل في أعقاب هدم البيوت، بل ارتفع في بعض الأحيان.
وقد وردت نتائج مشابهة في تقرير داخلي للجيش الصهيوني فيما يتعلق بهدم البيوت خلال انتفاضة الأقصى، وفي كتابهما "الحرب السابعة" أكد "عاموس هرئيل" و"آفي يسيسخاروف" عدم وجود إثباتات على التأثير الرادع لهدم البيوت، وأن عدد العمليات ازدادت بعد مرور عدة أشهر على تنفيذ سياسة هدم البيوت.
أما القانون الدولي فإنه يحظر العقاب الجماعي، أي عقاب أناس بسبب أفعال أناس آخرين ـ البند 33 من اتفاقية جنيف الرابعة والنظام 50 من أنظمة هاج ـ ومن المؤكد أن هدم البيوت يشكل وسيلة صارخة من العقاب الجماعي، حيث أن المتضررين الأساسيين هم من أبناء الأسرة للمتهمين بتنفيذ المخالفات.
إن النظام 119 من أنظمة الطوارئ الصهيونية، الذي بناءً عليه يتم هدم بيوت الفلسطينيين، يناقض اتفاقية "هاج" واتفاقية "جنيف" الرابعة، وهذا الإجراء يتناقض مع التوجه الدارج في القانون الدولي، والقائم على تقييد الدولة التي تحتل أرضًا من حيث عملياتها طبقًا للقانون الدولي، على الرغم من الصلاحيات الممنوحة لسلطاتها طبقًا للقانون الدولي.
ولذلك لم يكن غريبًا أن تشجب منظمة "هيومان رايتس" و"وتش" الدولية، تدمير الجيش الصهيوني لبيوت الناشطين الفلسطينيين، واعتبرت المنظمة الدولية أن العقوبات الجماعية المسلطة على السكان تنتهك القانون الدولي، وقالت: إن على الحكومة الصهيونية أن ترفض خطط استئناف تدمير أو مصادرة بيوت من تزعم بتورطهم في الإرهاب، وأكدت المنظمة أن هذه المعايير تمثل انتهاكًا للقانون الدولي، طالما أن هذه الانتهاكات تؤثر على مالكي وساكني هذه البيوت، الذين لم يتورطوا في أعمال عنف، حتى ولو تورط شخص أو أكثر من ساكني هذه البيوت.
خبراء القانون الدولي يؤكدون أن البند 53 من معاهدة جنيف الرابعة، التي تضبط ظروف المناطق الواقعة تحت أي احتلال عسكري، تحرم تدمير البيوت في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ماعدا "في حالة الضرورة القصوى" الناتجة عن عمليات عسكرية.
بالإضافة إلى أن تدمير البيوت تمثل عقوبة لأفراد العائلة الآخرين، وللأشخاص الآخرين الذين يعيشون في البيوت المعرضة للتهديم، لمجرد أنهم يعيشون في نفس البيت مع الشخص المدان بارتكاب هجوم، كما أن هذه السياسة تتنافى مع البند 33 من نفس المعاهدة، والتي تحرم معاقبة شخص ما بجريمة ارتكبها غيره، بالإضافة إلى تحريمها لأي شكل من أشكال العقوبات الجماعية.