الملتقى الدعوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الملتقى الدعوي - الملتقى الفكري - اسلاميات
 
الرئيسيةالمواضيع الأخيرأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الغيرة على دين الله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبوأنس




عدد المساهمات : 306
تاريخ التسجيل : 14/07/2010

الغيرة على دين الله Empty
مُساهمةموضوع: الغيرة على دين الله   الغيرة على دين الله I_icon_minitimeالأحد يوليو 25, 2010 11:45 pm

الغَيرة(1) صفة من صفات الكمال، وقد أثبتها النبي - صلى الله عليه وسلم - لله - عز وجل - بقوله كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "لا أحد أغير من الله ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن"(2)، وأعظم الناس غيرة هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه كان يغار لله ودينه ولا ينتقم لنفسه قط؛ وما دام الأمر كذلك فليس من المستغرب أن يغار المؤمن على دين الله - سبحانه وتعالى - وعلى حرماته أن تنتهك، بل إنه إن لم يفعل كان إيمانه موضع شك، لأن غضب القلب وإنكاره -وهذا هو أصل الغيرة- هو أضعف الإيمان.

فالغيرة على دين الله أصلها محمود؛ وهي عبادة قلبية لله - عز وجل -، وما دامت من العبادات فلا بد أن تنضبط بالضوابط الشرعية حتى لا تخرج بصاحبها عن حد الاعتدال إلى الغلو المنهي عنه فيهلك كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "هلك المتنطعون"(3)، قال النووي - رحمه الله -: (أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم)(4)، وخير مثال على ذلك ما كان من أمر النفر الثلاثة الذين سألوا عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - في السر؛ قال أنس - رضي الله عنه -: "فلما أُخبِروا كأنهم تَقالُّوها، فقالوا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداًَ، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"(5).
إن كثيراً من الشباب -وبخاصة في زمن الفتن وأوقات الأزمات- قد تشتد غيرتهم حتى تخرج بهم عن حد الاعتدال وتوقعهم فيما لا تحمد عقباه، وما ذاك إلا بسبب عدم وضوح الرؤية وغياب الضابط الشرعي عن أذهانهم، وهذا أمر خطير لا بد من التحذير منه وتبصير الناس بفساده ومخالفته للشرع المطهر الذي ما غار المرء ابتداء إلا له، والأمر كما قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (كم من مريد للخير لن يصيبه)(6).
إن أعظم منكر على الإطلاق هو الشرك بالله - عز وجل -، وهو أولى ما يُغار على الدين بسببه، وقد دنس المشركون أطهر بقعة وهي الكعبة المشرفة بالأصنام والأوثان ومع ذلك فما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة بتحطيمها ولا أمر أصحابه بذلك رغم أنه كان بوسعهم، ولا يقول عاقل إنه - عليه السلام - ما كان يغار عند رؤية هذه الأصنام -حاشاه- لكنه بأبي هو وأمي ما كان يأتي شيئاً أو يذره إلا وفق مراد الله ومشيئته.
ومن أعظم المنكرات كذلك ما كان يلاقيه أصحابه من قتل وتعذيب وتشريد في مكة، ولا يقول عاقل إنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان يغار على أصحابه أو يألم لألمهم، ولا يقول عاقل إنه ما كان يمكن أن يأمر بمن يأتي برأس أبي جهل أو غيره من عتاة المجرمين الذين يعذبون المؤمنين وليكن بعد ذلك ما يكون، لكنه ما كان يزيد عن أمرهم بالصبر، كما في قوله: "صبراً يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة"(7)، أو نهيهم عن الاستعجال كما في حديث خباب بن الأرت - رضي الله عنه - حيث قال: "شكونا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون"(Cool؛ وهكذا حال بعض شبابنا اليوم؛ يستعجلون.
يستعجلون رغم أن كلمة التوحيد في بلادنا ظاهرة، والمؤمنون فيها أعزة، وما يقع من منكرات أو من تغير للأحوال كالتشكيك في بعض الثوابت أو التعرض لأهل الإيمان من العلماء والمشايخ وغيرهم لا يمكن أن يقارن بحال بما كان قبل الهجرة.
ونحن لا ندعو لترك الباطل أو الحبل على الغارب لأهله ولكن ننهى عن الاستعجال الذي لن نقطع معه أرضاً ونبقي بعده ظهراً! وهكذا بعض الشباب يستعجلون استعجالاً دفع بعضهم للتهور والتفجير والتدمير، ودفع بعضهم الآخر لليأس ومن ثم الانزواء والانطواء، أو الانهزام والتخاذل والتساهل والتفلت، وكل هذا من عواقب ترك الانضباط بالمنهج الشرعي في التغيير، ومن عواقب الجهل بسنة الله في التدافع.
إن من أوضح ما يبين ضرورة انضباط الغَيرة بضابط الشرع حتى تكون ممدوحة وتخرج عن كونها مذمومة قصة سعد بن عبادة - رضي الله عنه -، فإنه لما أنزل الله - عز وجل - أن حد الزنا إنما يثبت بشهادة أربعة شهود قال كما في الصحيحين: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح. فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني))(9)، فقد أثبت له النبي - صلى الله عليه وسلم - الغيرة، لكنه أنكر عليه مقالته لأن هذه الغيرة لم تنضبط بضابط الشرع، فإن الذي بلَّغ هذا الحكم هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ليس بأقل غيرة من سعد بل هو أغير إنسان، والذي أنزل هذا الحكم هو الله - عز وجل - ولا أحد أغير منه - سبحانه -، فلا ينبغي لأحد أن تدفعه غيرته على دين الله وشرعه إلى مجاوزة الحد فيقع في المحذور. وقد جاء عند الإمام أحمد بسند حسن أنه لما نزلتSadوالذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) قال سعد بن عبادة -وهو سيد الأنصار- أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا معشر الأنصار، ألا تسمعون إلى ما يقول سيدكم؟ قالوا: يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور؛ والله ما تزوج امرأة قط إلا بكراً، وما طلق امرأة له قط فاجترأ رجل منا على أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد: والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله - تعالى -، ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لُكاعاً تَفَخَّذَها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله لا آتي بهم حتى يقضى حاجته! "(10).
فبعض الناس قد يرى أن الغيرة تمنح صاحبها في مثل هذا الموقف -نسأل الله العافية لنا ولعامة المسلمين- الحق في أن يقتل المرأة أو الرجل أو يقتلهما معاً، بل إن القوانين في بعض البلاد لا تعاقب على مثل هذا الفعل ويسمونه حماية العرض أو الشرف، لكن هذا غير صحيح، وقد أنزل الله - سبحانه وتعالى - حكم الملاعنة بين الزوجين، ولم ينزل إذناً للزوج بالقتل أو الضرب بدعوى الغيرة. هذا هو حكم الله، لكن بعض الناس يستحسن القتل أو الضرب وما أشبه،(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50]، يستحسنون ذلك ظناً منهم أنه من لوازم الشدة والقوة والرجولة، وليس الأمر كذلك، بل هو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"(11)، وهذا هو القانون الذي ينبغي أن يفهمه المتعجلون المتهورون، فالعاطفة ينبغي أن تضبط بضابط العقل، والعقل يضبط بضابط الشرع وإلا وقعت كوارث كالتي نراها ونسمعها هنا وهناك.
لا شك أن الغيرة على الدين أظهر ما تكون عند ظهور المنكرات وفشوها وعند ضعف التمسك بالدين والتفريط في تعاليمه، فعندها يكاد قلب المؤمن يذوب كما يذوب الملح في الماء؛ ولا يخفى أن الحال اليوم ليست كما كانت قبل عشرين أو ثلاثين سنة وأكثر، ولا يخفى أن المنكرات قد زادت وانتشرت، ونحن مأمورون بتغيير المنكر، ولا شك أننا نريد التغيير ونسعى له، ونرجو ألا نكون أقل غيرة على دين الله من بعض المندفعين، لكننا ندعو الجميع إلى كلمة سواء؛ ندعوهم إلى أن نضبط خطواتنا جميعاً بضابط الشرع الذي يعصم المرء من الزلل، لا أن نجعلها تبعاً لأهوائنا وانفعالاتنا، فنحن نريد أن نوظف هذه الغيرة ونفرغها تفريغاً إيجابياً لا سلبياً؛ تفريغاً يبني ولا يهدم، تفريغاً يكون انتصاراً حقيقياً لدين الله - عز وجل -، لا مجرد أفعال طائشة متسرعة تضر ولا تنفع.
وكي تكون الغيرة على دين الله محمودة فلابد لها من الانضباط بضوابط الشرع الحنيف، ومن هذه الضوابط على سبيل المثال لا الحصر:
1- الإخلاص، وذلك بأن تكون الغيرة على الدين انتصاراً لله - عز وجل - لا انتصاراً لحظوظ النفس وهوى القلب، فهناك فاصل دقيق بين أن يغار الإنسان ويغضب عندما تنتهك حرمات الله لما في ذلك من تعد لحدوده - جل وعلا -، وبين أن يكون هذا الغضب بسبب مخالفة الناس لما يأمرهم هو به وينهاهم عنه، فيكون الغضب للنفس لا لله، والعياذ بالله.
2- أن يكون هوى النفس تبعاً للشرع لا العكس، ومن أعظم الأمثلة على ذلك ما كان يوم الحديبية من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث دخلهم مما وقع يومها من عدم إتيانهم البيت ومن شروط الصلح التي رأوها مجحفة أمر عظيم كادوا يهلكون بسببه، حتى إن عمر - رضي الله عنه - حار من قبول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخطة المشركين في الصلح قال: " فأتيت نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: ألستَ نبي الله حقاً؟ قال: بلى. قلتُ: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلتُ: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري. قلتُ: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قال: قلتُ لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال: فأتيتُ أبا بكر فقلتُ: يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى. قلتُ: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلتُ: فلم نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ قال: أيها الرجل إنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق. قلتُ: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلتُ: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً"(12)، أي ليكفر عما بدر منه يومها، ولا نشك أن مما دفعه رضي الله - تعالى -عنه إلى ذلك الغيرة الصادقة على الدين.
3- العلم بأن الابتلاء سنة ربانية ماضية، وأن الله - عز وجل - يبتلي العباد ليعلم الصادق من الكاذب، قال - تعالى -: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 1- 3]، قال ابن القيم - رحمه الله -: "سأل رجلٌ الشافعيَّ فقال: يا أبا عبد الله، أيما أفضل للرجل أن يمكن أو يُبتَلى؟ فقال الشافعي: لا يُمَكَّن حتى يُبتلى. فإن الله ابتلى نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكَّنهم فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم البتة وهذا أصل عظيم فينبغي للعاقل أن يعرفه"(13).
4- معرفة سنة الله في التدافع، فإن الله - سبحانه وتعالى - قادر على منع أعدائه من إتيان أدنى منكر، وقادر على أن ينتصر منهم ويهلكهم أو يعذبهم لكنه - سبحانه وتعالى - قضى أن يبتلي المؤمنين بمدافعة أعدائه، قال - تعالى -: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)[محمد: 4]، وقال: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ)[البقرة: 251]، وقال: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج: 40].
5- العلم بأن التغيير منوط بالقدرة، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(14)، وهذا أصل عظيم في التغيير.
6- عدم منازعة الأمر أهله، فلابد أن يعرف المرء ما له وما عليه، وأن يعرف حدود الإنكار التي حدها الله له، فإن من المنكرات ما يكون للمرء أن يغيرها بيده ومنها ما يكون ليس له ذلك - وإن كان قادراً- بل لولي الأمر والسلطان فيبقى عليه أن ينكر بلسانه إن استطاع أو بقلبه وهو أضعف الإيمان كما سبق.
7- مراعاة المصالح والمفاسد، فإن تغيير المنكر لا ينبغي أن يأتي بمنكر أكبر منه، فلا بد من الحرص على تكثير الخير وتقليل الشر، ومن أدلة ذلك من السنة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بلغته مقالة سوء قالها رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول، فقام عمر فقال: "يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعه، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه"(15)، فعامة الناس لا يعرفون من أمر ابن سلول إلا ظاهره وهو أنه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يعلمون نفاقه، فلو قتله النبي - صلى الله عليه وسلم - لصار قتله فتنة لكثير من الناس وصداً لهم عن الإسلام حيث يظنون أنه - عليه السلام - يقتل أصحابه.
8- معرفة الوظيفة والمهمة المنوطة بالإنسان، فإن كثيراً من الشباب تلح عليهم الأسئلة في أوقات الشدة والأزمات: ماذا نفعل؟ ما هي مهمتنا؟ والجواب سهل ميسر، فمهمة المؤمنين هي مهمة المرسلين، قال - تعالى -: (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)[النحل: 35]، وقال - تعالى - مخاطباً نبيه - صلى الله عليه وسلم -: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)[الغاشية: 22]، وقال له: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)[القصص: 56]، أما من كان يسعه العمل أو كان في مكان يمكن أن يقدم به شيئاً لدينه فليفعل ما استطاع.
9- الاعتدال العاطفي في الغيرة، فإن الحزن والغضب مما يراه المؤمن من المنكرات أمر عادي جبل عليه الإنسان السوي، لكنه لا ينبغي أن يتجاوز حده، قال - تعالى -: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)[الكهف: 6]، قال ابن كثير - رحمه الله -: "باخع: أي مهلك نفسك بحزنك عليهم...يقول: لا تهلك نفسك أسفًا... بل أبلغهم رسالة الله، فمن اهتدى فلنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات"(16).
10- تفريغ الغيرة تفريغاً إيجابيا لا سلبياً، فكم نعرف من أناس كانوا قبل عشرين سنة معروفين بشدة الغيرة على دين الله وإنكار المنكرات؛ ثم بعضهم اليوم قد جنح للتفجير والتدمير، فما جنوا من ذلك إلا المر والحنظل، فجروا على أنفسهم وأهليهم وبلادهم الويلات ولم يجنوا من وراء أفعالهم شيئاً، فلابد من توظيف الغيرة في البناء والإعمار والجهاد الإيجابي لكل عدو بما يليق به لا الهدم والتدمير في بلاد المسلمين.
11- التفاؤل وعدم اليأس، فإن قوم موسى لما جاءهم - عليه السلام - بالحق من ربهم وبقي عذاب فرعون متتابعاً عليهم قالوا له: (أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) فما كان منه - عليه السلام - إلا أن بشرهم كما في تتمة الآية: (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)[الأعراف: 129]، بشارة امتثل بها لأمر الله له حيث قال: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[يونس: 87]، وأما اليأس من روح الله ورحمته فمن الكبائر، كما قال يعقوب - عليه السلام -: (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[يوسف: 87]، واليأس يورد المهالك كما نرى اليوم ونسمع من المتساهلين المفرطين الذين كانوا يوماً متحمسين مندفعين فلما لم يروا أثراً لحماستهم واندفاعهم انقلبوا على أعقابهم والعياذ بالله. أما من كانوا هادئين متزنين منضبطين بضوابط الشرع فلم يدخلهم اليأس، بل ما زالوا متفائلين وما زالوا على العهد كما كانوا، وما زالوا يلمسون آثار ثباتهم وهدوئهم في أنفسهم ومن حولهم ممن تأثروا بدعوتهم، والحمد لله.
12- الصبر وعدم الاستعجال، وهذا ضابط عظيم ذهل عنه كثير من الناس، وهو ثمرة من ثمرات اليقين والإيمان، قال - تعالى -في ثلاث آيات: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ)[الروم: 60]، [غافر: 55]، [غافر: 77]، فربط الصبر باليقين بتحقق وعد الله - عز وجل -، وقد وعد - سبحانه وتعالى - بنصر عباده المؤمنين والتمكين لهم في الأرض، قال - جل وعلا -: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55]، والصبر ليس عملاً سلبياً كما يظن كثير من الناس بل هو عمل إيجابي لأنه لا ينفصل عن مواصلة عمل الصالحات، فهذا هو الصبر الجميل وإلا كان ذلاً واستكانة.
13- البعد عن المبالغة في جلد الذات، فبعض الإخوة يبالغون في ذلك، لايرفقون بأنفسهم ولا بإخوانهم، ويلقون اللوم والتهم بالتقصير على الجميع بزعم أنهم لا يقومون بما ينبغي القيام به، والواجب التماس الأعذار وإنصاف النفس والإخوان، وتقدير الجهود والطاقات المبذولة، والنأي عن تكليف الناس ما لا يطيقون وتحميلهم نتائج ليست إليهم، فهذا أدعى لجمع الكلمة وتوحيد الصف وعدم إيغار القلوب والتناصح والتعاضد فإن التفرق والخصومة يضعفان صف المؤمنين ويقويان شوكة المنافقين والعلمانيين.
فهذه بعض الضوابط التي يرجى إن روعيت هي وغيرها أن تبقي الغيرة على دين الله محمودة -على أصلها- وأن تصل بصاحبها إلى رضوان الله - عز وجل -، وتحفظ مسيرة الدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى - من كثير من المشكلات والعقبات، والله أعلم.
ــــــــــ
ناصر العمر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الغيرة على دين الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
» لا يغفر الله لفلان
» متى نصر الله؟
» المشتاقون الى الله
» حكم سب الله ورسوله

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الملتقى الدعوي :: المنتديات العامة :: الــــحــــــــــــوار الإســــــــــلامي-
انتقل الى: