فور احتلال قطاع غزة في عام 1967، أصدر الجيش الإسرائيلي أمراً عرّف بموجبه القطاع على أنه منطقة عسكرية مغلقة. ومنذ ذلك الحين وحتى إتمام "خطة الانفصال" أي الانسحاب الإسرائيلي من غزة في أيلول/ سبتمبر 2005، كان على كل فلسطيني يودّ مغادرة القطاع طلب الإذن من إسرائيل التي سيطرت على كافة المعابر الحدودية.
مع إتمام تطبيق "خطة الانفصال"، وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية إلى خارج القطاع، أصدرت إسرائيل أمراً أعلنت فيه عن انتهاء الحكم العسكري في قطاع غزة. ولكن على الرغم من ذلك، واصلت إسرائيل السيطرة على كافة طرق الدخول والخروج من قطاع غزة وإليه. من الشمال ومن الجنوب، ومن البر ومن البحر.
بعد الانسحاب، سحبت إسرائيل قواتها من الحدود الجنوبية بين غزة ومصر. في البداية، ظنّ كثيرون أنه قد انتهت بذلك السيطرة الإسرائيلية على المعبر الحدودي بين غزة ومصر. هذا المعبر، المسمى بمعبر رفح، هو اليوم معبر الحدود الوحيد في قطاع غزة الذي لا تسيطر عليه إسرائيل سيطرة مباشرة.
بالنسبة لسكان غزة، المحبوسين من كل الجهات، فإن معبر رفح هو البوابة الوحيدة لهم للوصول إلى العالم. غير أنه، اتضح بمرور الوقت أن إسرائيل احتفظت لنفسها بالقدرة على فتح وإغلاق المعبر وقتما تشاء.
ومنذ سيطرة حماس على أجهزة الأمن الفلسطينية في قطاع غزة في حزيران 2007 قامت إسرائيل بإغلاق بصورة شبه تامة. هذا الإغلاق حرم سكان غزة من أي امكانية للوصول إلى الدول الأخرى، حتى في الحالات التي يكون فيها الأمر اضطراريا لدوافع انسانية، مثل الحاجة الى تلقي علاج طبي طارئ. ومع هذا، فقد قامت حماس خلال الأشهر الأخيرة بفتح المعبر بالتنسيق مع المصريين لساعات معدودة في مناسبات مختلفة من أجل تمكين المرور المحدود للمرضى، والطلبة والأشخاص العالقين من جانبي الحدود.
تعللت إسرائيل بسيطرة حماس على معبر رفح، وقامت بتجميد تطبيق "اتفاق المعابر" الذي يهدف الى تنظيم تفعيل معبر رفح.
وبناءً على هذا الاتفاق الذي تمّ إبرامه بين إسرائيل وبين السلطة الفلسطينية في شهر تشرين الثاني 2005، فإن معبر رفح يُدار من قبل السلطة الفلسطينية بالتعاون مع مصر. مع ذلك، فقد تم تقييد صلاحيات السلطة بصورة ملحوظة.
وقد وضع في معبر رفح مراقبون من قبل الاتحاد الأوروبي الذين مُنحوا صلاحيات منع الحركة في المعبر في حالة انتهاك شروط الاتفاق.
وراقبت قوات الأمن الإسرائيلية الحركة في المعبر وأشرفت عليها بواسطة منظومة من الكاميرات وشبكات المعلومات التي نقلت تفاصيل الخارجين والداخلين في وقت حقيقي.
وسمحت إسرائيل للسلطة الفلسطينية بتمكين الدخول الى القطاع فقط لـ"السكان الفلسطينيين"، أي الفلسطينيين المسجلين في سجل السكان الفلسطيني الذين يحملون بطاقات هوية فلسطينية. وفي الحالات التي أبلغت فيها إسرائيل السلطة عن منع أمني، فقد أُلزمت السلطة بالتشاور مع إسرائيل والمراقبين الدوليين قبل السماح.
وحتى عندما عمل معبر رفح استنادا الى "اتفاق المعابر" فقد كان بمقدور إسرائيل ايقاف عمله من خلال منع وصول المراقبين اليه. ذلك لأنه وفقاً لاتفاق المعابر، فإن معبر رفح لا يكون مفتوحا إلا بعد تواجد المراقبين فيه. وحين تبلّغ إسرائيل المراقبين بوجود تحذيرات أمنية يتعذر معها فتح المعبر، ولهذا حينما سيطرت حماس على غزة أوعزت إسرائيل للمراقبين بالانسحاب فانسحبوا وبقي مغلقاً.
ومنذ اختطاف الجندي جلعاد شليط، منعت إسرائيل الحركة المنتظمة في المعبر. وفرضت إسرائيل حصاراً شاملاً على قطاع غزة، يحظر في إطاره الدخول أو المغادرة.
في الأيام القلائل التي اختارت فيها إسرائيل السماح بافتتاح المعبر، تم ابلاغ قوة المراقبين الأوروبيين بذلك، قبل بضع ساعات فقط، مما منع سكان القطاع من تخطيط سفرهم مسبقا وبقي المغادرون في حالة من عدم التأكد بالنسبة لموعد رجوعهم إلى غزة.
المسئولون المصريون ومعهم مسئولو السلطة الفلسطينية ومجموعة محمود عباس يبررون إغلاق مصر للمعبر بضرورة تطبيق الاتفاق مع إسرائيل بخصوص معبر رفح، ويدعون إلى عودة أوضاع المعبر إلى ما كانت عليه قبل سيطرة حماس على قطاع غزة، ومن ثم على المعبر. وبذلك فهم يعتبرون الاتفاقات الجانبية مع الاحتلال جزءا من شرعة دولية يجب التمسك بها.
إننا لا نعترف ويجب ألا نحترم الشرعية الدولية، ليس لأننا خارجون على القانون، وإنما لإدراكنا أن القوة هي التي تصنع القانون، وأن القانون الدولي يعكس مصلحة الأقوياء المتحكمين في العالم.
ومع ذلك فإن الاتفاقات مع دولة محتلة ليست واردة في القانون الدولي، وكل ما بني على باطل هو باطل. فعقد اتفاق مع دولة محتلة من قبل الناس الذين يقعون تحت الاحتلال مبني على باطل، وهو بالتأكيد باطل. اتفاق معبر رفح ليس قانونيا وفق القانون الدولي لأنه يكرس الاحتلال الذي يدعو القانون الدولي إلى إنهائه. ووفق القانون، فإنه على كل الدول بما فيها مصر وباقي الدول العربية أن تمتنع عن المشاركة في اتفاق مع قوة محتلة يعتبر القانون الدولي احتلالها غير شرعي ويجب العمل على إنهائه.
مشكلة القائلين بشرعية اتفاق رفح وبمسؤولية مصر تجاه تطبيق الاتفاقيات أنهم يريدون إرضاء أصحاب السلطان الذين هم أمريكا وإسرائيل بالدرجة الأولى.
إن أمريكا وإسرائيل تحاولان التهرب من قرارات الأمم المتحدة ومن القانون الدولي خدمة لمصالحهما، وذلك من خلال عقد مؤتمرات وفق مزاجهما. وقد أكد بوش في زيارته الأخيرة للمنطقة العربية على أن الأمم المتحدة لا تشكل مرجعية بخصوص القضية الفلسطينية.
لا توجد نصوص في القانون الدولي تجعل من الاتفاقات الثنائية فوق القانون الدولي. الاتفاقات الثنائية التي تتناقض مع القانون الدولي لا تعتبر جزءا منه وتعتبر باطلة.
واتفاق السلطة الفلسطينية مع دولة محتلة بخصوص بقاء الاحتلال بطريقة أو بأخرى يتناقض مع القانون الدولي الذي لا يجيز احتلال أرض الغير بالقوة.
والقول بأنه ينبغي للمحتل أن يتحقق من الأشياء الداخلة عبر المعبر، يعطي للاحتلال الإسرائيلي شرعية، والاحتلال ليس له حقوق وهو في القانون الدولي جريمة ويفترض أن يقاوم، ومن واجب مصر فتح معبر رفح "باعتبار أن الجانب المصري من المعبر يخضع للسيادة المصرية، ومصر ليست مقيدة أصلا باتفاقية المعابر بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية".
إن المعبر من الجانب المصري مصري فقط ومن الجانب الفلسطيني فلسطيني فقط، والحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة يفرض على أي دولة وبحكم القانون الدولي السماح بمرور الأدوية والملابس وغيرها.