الغرب بصفة عامة، بقيادة مستشرقيه، ووسائل إعلامه، ومعهم الاتجاهات العلمانية المنهزمة نفسًيا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، دأبوا على انتقاد الإسلام؛ لأنه يبيح استخدام الزوج للضرب كوسيلة لتأديب زوجته، وكذلك يبيح استخدام الأب للضرب كوسيلة لتأديب أبنائه.
هذه الهزيمة النفسية وجدت طريقها إلى حكوماتنا، وهي في الغالب الأعم، منحازة ضد الفكرة الإسلامية، ومناصِرة للأفكار العلمانية والغربية.
وبدأت هذه الحكومات تتخذ من الإجراءات الثقافية والقانونية ما تحاول به جاهدة أن تجرِّم الضرب وتمنعه بالقانون.
فعلى مستوى الإجراءات الثقافية والفكرية والإعلامية، دأبت وسائل الإعلام الحكومية على استضافة الذين يؤيدون ما تريده الجهات المسئولة، حتى لو كان فيه إساءة للإسلام.
ومن الفهم الذي تحاول أن تشيعه الجهات الرسمية، ومعها القوى العلمانية والمتغربة واليسارية المتحالفة معها، الحديث عن تفسير متطور وفهم مختلف للآية الكريمة: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرهن في المضاجع واضربوهن ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا}.
فتحدثوا عن الضرب بمعنى آخر غير معناه المباشر، معنى العراك والشجار باليد ..إلخ، وقالوا: إنه بالنظر إلى "ضرب" نجدها كلمة تدل على إيقاع شيء على شيء يترك فيه أثرًا، وتختلف في الاستخدام، مثل الضرب في الأرض، وضرب الأمثال، وضرب الخمار، وضرب الناي، وضرب النقود.. إلخ، وقالوا إن كلها معاني لا تحمل معنى الضرب باليد أو العصا.
أما الإجراءات القانونية المتخذة في هذا الصدد، فهي ما تضمنه قانون الطفل، الذي وافق عليه البرلمان المصري مؤخرًا، والذي أوكل إلى ثلاث جهات قضائية هي المجلس الأعلى للطفولة والأمومة والمحكمة الابتدائية ووزارة العدل، رصد جميع حالات تعرض الطفل للخطر ومتابعتها، حماية للطفل من العنف في البيت والشارع والمدرسة وما شابه، ودعا القانون الابن إلى الإبلاغ عن والده أو والدته، لدى السلطات، في حال تعرضه للضرب، كما دعا إلى تدخل الجيران للإبلاغ عن الضرب إذا لم يقم الطفل بالإبلاغ.
ونصَّ القانون على توقيع غرامة، قد تصل إلى ١٠٠٠ جنيه على الجيران، الذين لا يبلغون الشرطة عن ضرب الأب ابنه.
وهكذا جعل القانون الجهات الرسمية السابقة والجيران جهات رقابية، تقوم بالتجسس على العلاقة بين الآباء والأبناء، ففي حالة ضرب الأب لابنه على الصلاة، مثلاً يعتبروا ذلك اضطهادًا للولد، ومن خلال الخط الساخن يتم اتهام الأب ووضعه في السجن.
ولهؤلاء المفتونين بالغرب والمنهزمين أمامه، نقول: إن الإحصاءات تؤكد أن في أمريكا كل 15 ثانية، يضرب أحد الأزواج زوجته ضربًا مبرحًا، وفي فرنسا توجد وزارة لشئون المرأة تطالب بتشريعات جديدة، وبتكوين شرطة خاصة لإبلاغها بضرب الزوجات والأولاد، ويطالبون أيضًا بمحاكم أسرية خاصة.
أما في إنجلترا.. فأصبحت ظاهرة الضرب ـ ضرب الأزواج للزوجات ـ محلاً للشكوى، وفي وروسيا انتشرت الظاهرة على نطاق واسع؛ لكثرة عدد الأزواج العاطلين، ونتيجة للحياة الاقتصادية الصعبة، وأصبح الأزواج ينفثون عن أنفسهم بضرب زوجاتهم.
فرغم النفور الشديد من الضرب، سواء ضرب الزوج لزوجته أو ضرب الأب لأبنائه في الغرب، ورغم القوانين التي تمنع ذلك لم تتوقف الظاهرة بل تزداد انتشارًا.
إن الآية الكريمة: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرهن في المضاجع واضربوهن ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} معناها: أن نشوز المرأة هو عصيانها لزوجها وعدم طاعته وامتناعها عن فراشه أو خروجها من بيته بغير إذنه.. وعظتها تذكيرها بالله وتخويفها به! وتنبيهها للواجب عليها ولفت نظرها إلى ما يلحقها من الإثم بالمخالفة والعصيان وما يفوت من حقوقها من النفقة والكسوة. والهجر في المضجع أي الفراش.. أما الهجر في الكلام فلا يجوز فوق ثلاثة أيام.
ولا تضرب المرأة لأول نشوزها، فأول شيء هو العظة فإذا استمرت في النشوز، فالهجر في المضجع فإذا لم ترتدع فالضرب غير المبرح.. مع تجنب الوجه والمواضع المخوفة؛ لأن المقصود هو التأديب وليس الإتلاف.
وهكذا فإن الشريعة الإسلامية فيها التوسعة حسب الأحوال، فالبشر بطبعهم مختلفون ما يصلح لأحدهم لا يصلح للآخر.. فلو قلنا بعدم الضرب نهائيًا، يمكن أن يظل قطاع عريض من النساء على نشوزهن وتمردهن.
والقرآن أعمُّ من ذلك، فهو يتدرج حسب كل حالة، فهناك من تتأثر بمجرد نظرة العين، وربما يؤثر فيها الكلام الزائد تأثيرًا عكسيًا، وهناك من تتأذى بالهجر، وبالتالي يكون فيه تأديب لها، وتخويف، وإصلاح لاعوجاج حالها، ومن النساء ـ وكما هو مجرب في دنيا الناس ـ مَن لا تتأثر إلا بالضرب.. ولا يناسب جرمها واعوجاجها الكبير إلا الضرب؛ لأنها استهانت بالعظة والهجر.. وبالتالي فإن الآية حجة للإسلام وليست حجة عليه، فبها توسعة، وفيها تفصيل وفيها تدرج.
ثم إن الحفاظ على شخصية الأب ضروري جدًا.. فالابن لابد أن يشعر، بل ويتأكد بأن هناك سلطة أبوية لا يمكنه تجاوزها، وأن علاقته مع والديه لها حدود وضوابط لا يتعداها.. ودعوى صداقة الابن لأبيه أفسدت كثيرًا من الأسر؛ بسبب إضاعتها لهيبة وشخصية الأب.
فهناك أخطاء للأطفال لا يمكن علاجها إلا بالتخويف والضرب الخفيف.. بشرط ألا يتكرر الضرب باستمرار حتى لا يتعود عليه الطفل، وبالتالي يفقد قيمته كعامل مؤثر في التقويم.