الإجهاض، من القضايا التي اختلفت فيها الثقافات والتشريعات، فبينما لم ترد في الشريعة المسيحية أي نصوص أو أحكام تبيح الإجهاض أو تحرمه، إلا أن أكثر الكنائس المسيحية كانت ـ ولم تزل إلى اليوم ـ تحرم الإجهاض مطلقاً، وتعده جريمة دينية يستحق مرتكبها عقوبة الإعدام، ولا تبيح الإجهاض لأي سبب مطلقاً، ولو كان استمرار الحمل أو الولادة، سيؤديان إلى وفاة الحامل.
ولقد سجل قانون الحقوق الكنسية هذا الحكم صراحةً، فقضى أنه إذا كان لابد من موت الأم أو الجنين فيجب التضحية بحياة الأم والإبقاء على حياة الجنين، وقد انتقل هذا الحكم كما هو إلى قانون الجزاء الذي وضعه شارلكان (شارل الخامس) واستمر العمل به في كل أوربا منذ سنة 1532 حتى قيام الثورة الفرنسية.
إلا أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر بدأت التشريعات تخفف من عقوبة الإجهاض، فأصبحت السجن المؤبد أو السجن عشرين عاماً بدلاً من الإعدام، وتوالت التطورات بعد ذلك، فكان قانون العقوبات الفنلندي الصادر سنة 1889 أول قانون يبيح الإجهاض إنقاذاً لحياة الأم من خطر الموت، أو تفادياً لإرباكات خطيرة بدنية أو نفسية أو عقلية يمكن أن يسببها الحمل للمرأة، وكانت الدانمرك أول دولة تبيح الإجهاض مطلقاً سنة 1933، وتبعتها سويسرا سنة 1942، ثم اليابان سنة 1948، ثم تشيكوسلوفاكية والمجر سنة 1950، ثم يوغسلافية سنة 1951، وكذلك بلغارية وآيسلندا واليونان، ثم الاتحاد السوفييتي سنة 1955، ثم فرنسا سنة 1975.
ويرى المؤيدون للإجهاض أن فيه مخرجاً لتفادي الانفجار السكاني، وأنه يخفف عن المرأة متاعب الحياة، ويوفر لها القدرة على الانصراف إلى عملها، والحرية التامة في اختيارها للأمومة، بالإضافة إلى استحالة منع عمليات الإجهاض مطلقاً، كما أن مثل هذه العمليات قد تتم بعيداً عن رقابة القانون.
أما معارضو الإجهاض فيقولون: "إن الجنين كائن حي، والإجهاض قتل نفس بريئة، وإن إباحته ستؤدي إلى شيوع الفاحشة، وإن نتائجه تبقى خطرة على الصحة والسلامة مهما تقدم الطب، فضلاً عن أنه يقوض بنيان الجماعة ويقلل من المواليد، ويقلل بالتالي من الأيدي المنتجة ما ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي للمجتمع.
الدول العربية ـ في معظمهاـ ما زالت تحرم الإجهاض، إلا إنقاذاً لحياة الأم من خطر الموت، وبعض هذه الدول كالأردن تبيحه محافظة على الصحة العامة للأم، أو تفادياً لولادة أطفال مشوهين شريطة أن يتم الإجهاض قبل مرور أربعة أشهر على الحمل كما في الكويت.
والتشريعات التي تعد الإجهاض جريمة، تختلف فيما بينها في طبيعة الحق المعتدى عليه وفي العقوبة على هذه الجريمة، فتذهب بعض التشريعات إلى أن الإجهاض المسبب جريمة واقعة على المرأة الحامل وسلامتها، ومن هذا الاتجاه قانونا العقوبات المصري والعراقي، في حين تذهب تشريعات أخرى إلى أنه جريمة واقعة على الأخلاق والآداب العامة، ومن هذا الاتجاه قوانين العقوبات اللبناني والسوري والأردني.
أما الشريعة الإسلامية فإنها تفرق بين حالتين من حالات الإجهاض هما: الإجهاض الواقع على المرأة من دون رضاها، وإجهاض المرأة نفسها أو برضاها، ففي الحالة الأولى: يكون الفاعل قد ارتكب جريمة يترتب عليها التزام عصبة الفاعل (أي أقاربه) بدية الجنين يؤدونها إلى ورثته أو يؤدونها إلى أمه، ودية الجنين عشر دية الشخص العادي.
أما في الحالة الثانية: فقد لاحظ الفقهاء أن النصوص الشرعية جاءت خالية من بيان الحكم فيها، وقد اجتهد الفقهاء في الحكم الشرعي لهذه الحالة، وانعقد اجتماعهم على أن الإجهاض حرام بعد تمام الأشهر الأربعة الأولى من عمر الحمل، لأن الروح تنفخ في الجنين عند تمامها وفقاً لعدد من الأحاديث النبوية، أما قبل ذلك فقد اختلفوا بين مبيح مطلقاً، ومبيح في الأربعين يوماً الأولى من عمر الحمل.
والإجماع منعقد في الشريعة الإسلامية على أن الإجهاض بطريق الخطأ جريمة يترتب عليها جزاؤها المقرر شرعاً، وعقوبة الإجهاض في القوانين الجزائية الوضعية هي الحبس، وربما أضافت إليها بعض القوانين الأشغال الشاقة، في بعض الحالات.
وتميّز هذه القوانين في العقوبة، رضا الحامل بالإجهاض من عدم رضاها به، كما تميّز وفاة المرأة الحامل بنتيجة الإجهاض من عدم وفاتها من جهة أخرى، فالإجهاض الرضائي - وهو الذي تقوم به الحامل بنفسها أو ترضى أن يجريه لها شخص آخر - يُعد إذا لم يفض إلى الوفاة جنحة لدى معظم التشريعات الوضعية، باستثناء قانون العقوبات القطري لسنة 1971 الذي عد جميع صور الإجهاض جنائية الوصف (المادة 170)، أما الإجهاض غير الرضائي فيعد جناية، ولو لم يفض إلى وفاة الحامل، وأما الإجهاض الذي يفضي إلى موت المرأة الحامل، فإنه يعد جناية سواء أكان رضائياً أم غير رضائي.
أما في الشريعة الإسلامية فعقوبة الإجهاض هي الدية، والدية الواجبة هنا هي دية الجنين، وتسمى «الغُرّة»، وهذا هو الجزاء القضائي. أما الجزاء الشرعي فهو الكفارة وفقاً لبعض المذاهب. وهي - في الأصل - تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
ولا فرق في الشريعة بين عقوبة الإجهاض برضا المرأة الحامل به أو عدم رضاها، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الشريعة الإسلامية تعد الإجهاض المحرّم جناية واقعة على الجنين وحقه في الحياة، ولذلك لا يعتد برضاها أو عدم رضاها به، كما لا فرق أيضاً بين الإجهاض الذي يفضي إلى موت المرأة الحامل، والإجهاض الذي لم يفض إلى موتها، فعقوبة الإجهاض مستقلة تماماً عن عقوبة إزهاق روح المرأة الحامل، وهذا محل إجماع الفقهاء.
أما إذا كان الإجهاض ناتجاً من موت المرأة الحامل، فهذا ما اختلفت فيه المذاهب الفقهية، فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه لاشيء فيه؛ لأن موت الأم سبب لموت الجنين ظاهراً فيحال عليه، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن فيه «الغّرة»؛ لأنه تلف بجناية الجاني، وعلم موته بخروجه، فوجب ضمانه.